بدايةً أتمنى على القارئ والقارئة الكريمين ألا يستعجلا ويحكما على مضمون هذه التدوينة قبل نهايتها. فإحدى دعامات التفكير النقدي أن تكون نقدياً مع نفسك أولاً. وأن تتأكد من أنك فهمت بدقة المعنى المراد قبل أن تستعجل في إطلاق حكمك. هذه وللأسف إحدى العلل المنتشرة في مجتمعنا نسأل الله العافية.

نؤمن نحن المسلمون – على اختلاف مذاهبنا وانتماءاتنا  – بأن هذا الدين هو خاتم الرسالات السماوية. وبأنه دين الرحمة والعدل والعقل والمنطق. نؤمن بأنه دين يتوافق مع الفطرة السليمة والتفكير المنطقي. ولكن لو سألنا أنفسنا، ما مدى توافق ما نؤمن به مع ماندعو إليه عملياً على أرض الواقع؟ ما مدى منطقية ما ندّعي أنه الإسلام؟ أعتقد أن أفضل مثال لذلك هو الحادثة التالية. فإحدى الفتيات من خلفية لادينية سمعت في إحدى المحطات الإذاعية من داعية إسلامي كبير بأن صوت المرأة عورة، وقد استفاض الداعية في توضيح تلك الفكرة وقدم نموذجاً للمرأة لم يتناسب مع تفكير تلك الفتاة. طبعاً وفي ظل ثورة الاتصالات ومواقع التواصل الإجتماعي قامت تلك الفتاة بوضع تعليق لها تنتقد هذه الفكرة. وانهالت التعليقات عليها بين مؤيد لمنطق الفتاة وساخر من ذلك الداعية ( الأمر الذي يؤدي في العادة إلى وقوع المشاحنة ولا يثمر عملياً ). وبين مدافع عن الداعية والإسلام. وقد جاءت تلك الدفاعات (1) تارةً بأن هذه القضية تتعلق بالدين ولا يجوز مناقشتها من أمثال تلك الفتاة. (2) وتارةً بأن الإسلام كرم المرأة وأعطاها حقوقها التي كانت مسلوبة (كإنسان وأم وزوجة وعضو مشارك في المجتمع كمهندسة وطبيبة وغيرها…) ولم يهضم منها شيئاً،(3) وتارةً بأن المشكلة ليست في ذلك الحكم الفقهي وإنما المشكلة بأننا لم نتفق على النقاط الأساسية العليا. يعني بأننا يجب أن نسلم لحكم الله وبأنه أفضل من شرع للبشر لا أن نخوض في تفاصيل الأحكام التي قد يعجز العقل عن فهم حكمتها. أتمنى على القراء الأكارم أن يتوقفوا لحظة ويفكروا ما هو أفضل رد ممكن لهذا التعليق.

يمكن لمن كان يعرفني قبل أن أسافر بأن يخمن الجواب الذي كنت سأختاره. صحيح، كنت سأختار آخر رد. كنت سأقول بأن المشكلة ليست في الحكم، وإنما فينا نحن. كنت سأقول بأننا يجب أن نسلم للأحكام دون مناقشة ولو بدت غير منطقية. فهل تعتقدون بأن بشراً سيأتي بأمر أفضل مما جاء به الله؟ كنت سأتكلم ساعةً بأدلة تؤيد هذه الفكرة. وربما كنت سأتهم تلك الفتاة أيضاً بأنها إما جاهلة بحقيقة الدين ولا يجوز أصلاً مناقشتها بتفاصيل الأحكام. أو أنها حاقدة على إسلامنا الحنيف! (لست متأكداً إذا ما كنت سأقول ذلك عن تلك الفتاة بالذات، ولكن هذه هي الصورة التي كانت لدي عموماً عن اللادينيين)  هكذا كان سيكون ردي لو لم أسافر. ولكن الله شاء أمراً آخراً. (أود أن أذكر القراء مجدداً بما ذكرته في أول التدوينة من ضرورة قراءتها كاملةً)

أما الآن، فأنا أعتقد بأن الفتاة محقة تماماً وبأن اعتراضها في مكانه! إنني وكمسلم اؤمن يقيناً بأن أمر الله هو الأفضل قطعاً. ولو كانت هنالك آلية مباشرة يمكن للبشر من خلالها أن يعرفوا أحكام الله لماكان هنالك من سبيل آخر غير اتباع هذه الأحكام ولو بدت غير منطقية. ولكن الواقع غير ذلك، فالأحكام الفقهية هي نتيجة تفسير بشري ومحاكمة بشرية لنصوص سماوية، وبالتالي فالتسليم هنا لا يعني التسليم لله بقدر ما يعني التسليم لفهم بشري! فالمشكلة ليست في النص بتاتاً. المشكلة في فهم هذا النص، وهي عملية بشرية.

والردود التي جاءت يمكن تصنيفها في صنفين: صنف يقول بأنه لا يجوز التفكير ومناقشة الحكم. وسبب ذلك إما لأنك لست أهلاً لذلك (الرد الأول). أو لأن احكام الله أصلاً غير قابلة للنقاش (الرد الثالث). وصنف يقول بأن الإسلام ليس كما ذكرت الفتاة. والواقع هذا الكلام يتعلق بالإسلام حسب فهم كاتبه. فهو يحاول أن يدافع عن الداعية بأن يقدم صورة منطقية للإسلام. وقد قمت بنفسي بمراجعة رأي ذلك الداعية في تلك القضية ووجدت بأن الفتاة محقة (وهي ما أكدته أصلاً في تعليق لاحق عليه)، وبالتالي الرد الثاني لاعلاقة له باعتراض الفتاة.

حتى نكون منصفين، يجب الإعتراف بأنه ليس كل اعتراض يوجه لنا هو اعتراض خاطئ أو فهم ملتو للدين. أو بأن صاحبه (جرثومة) و(مندس) كما يقال حالياً على كل مخالف لوجهة النظر الواحدة. لابد من الاعتراف بأننا نحن المسلمون نعرض ديننا بشكل مخالف تماماً لما عرضه صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم. نعرضه متلبساً بموروث ثقافي عميق. نعرضه دون أن نفكر لحظةً في دراسة نقدية لهذا الذي نعرضه. ففي محضر النجاشي مثلاً قام الصحابة بعرض الدين عرضاً منطقياً متماسكاً أذهل النجاشي وأبكى بطارقته! وعندما عادوا في اليوم التالي وسألهم عن عيسى بن مريم (عليه وعلى رسولنا أطهر الصلاوات وأفضل التسليم) أجابوه بما يعتقدون أنه الحق والمنطق، وهم بهذا العرض في موقف قوة أكثر منه موقف ضعف، ولو خضعوا لمناظرة علمية حول هذه القضية لكانت في صالحهم، لأنه على الأقل لا يوجد تناقضات فيما يعرضونه.

نأتي اليوم ونعرض فهماً لهذا الدين يخالف أدنى درجات المنطق ومليئاً بالتناقضات، نقول بأن الإسلام كرم المرأة، ولكنه حرمها قيادة السيارة! وجعل صوتها عورة! وجعل أفضل صلاتها في أشد بيوتها ظلمة! وعندما نسمع اعتراضات على هذه التفسيرات الغير منطقية، نواجهها: عليكم بالصمت المقدس، فإعمال الفكر حرام هنا! وتزداد المشكلة حدةً عندما تتعلق بالأسئلة الوجودية، تلك الاسئلة التي تحتاج إلى فهم عميق وواسع للحياة والدين. فعندما تقدم لنا بعض الأجوبة على هذه الاسئلة الكبيرة، تقدم وكأنها الجواب الإسلامي الوحيد. فإذا ما شعرنا بعدم منطقيتها (كلاً أو جزءاً) وسألنا، يكون الجواب: ذلكم الشيطان! وكأن لزاماً علينا أن نقدس ذلك الفهم البشري وننزله منزلة كلام رب السماوات والأرض. منزلة المنزه عن النقد والتمحيص. وأحيانا يكون الجواب بطريقة تشعر السائل بأنه اخطأ وتمادى، فمثلاً يكون الجواب على قضية ما: أتعتقد نفسك أفضل من رسول الله؟! وهذا النوع من الأجوبة هدفه اسكات السائل وليس إجابته.

وقد دأب العديد من العلماء على تنقية تلك الصورة من تلك الأفهام أمثال (محمد الغزالي رحمه الله وغيره). شخصياً، أعتقد بأن المنطق يخرس الشيطان، والإجابة عن الاسئلة النقدية ليس: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم وبأن تتفل عن يسارك ثلاثاً (ونسأل الله أن يعيذنا منه دائماً ويجعلنا في كنفه وحرزه) وإنما بالتفكير والبحث والاستعانة بالله. والأسئلة الكبيرة تحتاج إلى أجوبة كبيرة، ولا يمكن قصرها بأي حال من الأحوال على فهم وحيد وثابت. خصوصاً وأن لكل عصر تحدياته. طبعاً القضية ليست فوضى، ومن غير المقبول أن يقوم أي إنسان باستخراج الأحكام الفقهية بنفسه لأن للقضية منهجاً وطريقةً. ولكن من غير المقبول أيضاً ان يتم عرض تلك الأحكام بطريقة قطعية وكأنه لاعقل لمن يطبقها، علماً بأن آثارها تتعلق بشكل أساسي بالسائل وليس بالمفتي. وقد يقول قائل: لاحرج عليك ولو أخطأ المفتي، فإن كان أهلاً للفتوى وأخطأ فله أجر وإن أصاب فله أجران. وأنا لا أتكلم عن هذه الناحية، لأنك لن تقنع المرأة التي حرمتها من القيادة ومن التكلم بأن تقول لها: لا تقلقي، لا حرج عليك، وللمفتي الأجر!

44 رد على “حتى نكون منصفين”

  1. كنت اكتب رداً ولكنني حذفته كي لا يقال انني لا زلت مصدوماً 🙂

    1. له يا مولانا…
      تعليقاتكم مصدر بركة… 🙂
      وبالنقاش نغني المحتوى

  2. السلام علكيم
    تحية من القلب
    الآن بدأت أظن أنك تشن حملة على القوانين السعودية ’’من دون ذكر أسماء دول‘‘ 🙂 التي تمنع المرأة من قيادة السيارة بحجة أنها بحاجة لمُحرم. و أن من الأفضل لها أن تخرج مع سائق أجنبي عنها فهذا أأمن لها و لبناتها!
    ليس أجمل من أن تناقش الأحكام ( التي يمكن النقاش بها ) و تسأل عن الحكمة منها و لماذا خرجت على هذا النحو. و خصوصاً تلك الأحكام التي هي في المسائل الفرعية كهذه المسألة و التي فيها خلاف من الأساس. فليس من المنطقي في مسألة فيها خلاف أن نقول بمطلق صحة أحد الآراء و خطأ البقية.
    رأيي في مثل هذه المسائل أن تأخذ ما ترتاح له و تعتقد أنه صحيح طالما لم تخرج عن دائرة الشريعة و مالم تأت بما يخالف النصوص صراحة. فأنا على المذهب الحنفي و في المذهب الحنفي الدم يفسد الوضوء و لكن إذا كنت على عجلة صليت على الشافعي فهل صلاتي باطلة!
    ففي قضية صوت المرأة لست أرى أنه ليس عورة ( و لسنا بصدد سياقة الأدلة لأنها كما قلت من المسائل التي اختُلف فيها ) و أن الاسلام ضمن للمرأة حقوقها بما يضمن لها كرامتها و لا يًمكِّن أحداً من المساسا بها. فتجد الطبيبات المسلمات و المهندسات و تراها في كل المجالات، طالما هي ملتزمة بتعاليم دينها و لا تخرج عنها. و هذا لأن المرأة في الإسلام لا تتميز عن الرجل في القيمة. و لكن تختلف عنه بالتعامل لكونها امرأة و لكونه رجل.
    فرأيي أن الرأيين 2 و 3 صحيحان لأني لم أفهم ما قصدته بالنقاط الأساسية العليا. هل قصدت الأصول في الدين، أم مفاهيم النقاش العليا. و أنا معك في أن المشكلة ليست في الحكم بل هي فينا.
    و قد صدقت في كل ما قلت. نجد تلك الفئة التي تنحاز انحيازاً أعمى لك ما يأتيها من دون أن تسأل لماذا رغم أنه يحق لها أن تسأل لماذا بل الأجمل أن تسأل لماذا (في الفروع لا في الأصول فلن تجد اختلافاً في فرضية الصلاة) لكي يكون اتباعك للحكم عن فهم و عن إيمان كامل. و كي لا يكون مجرد عادة تعودنا عليها.
    و اسأل تلك الفئة لماذا وجدت المذاهب الاربعة، و ما يزيد الطين بلة أن هناك فئة تتعصب لمذهبها و كأن مذهبها الإسلام الحقيقي و مذهبي ناقص! ألم يقل رسول الله صلى الله عليه و سلم أن اختلاف أمتي رحمة، و أن الرسول صلى الله عليه و سلم هو نفسه فعل أموراً تارة و لم يفعلها تارة لكي يعلمنا أن المسألة الجوهرية ليست في الظاهر و لكن في الباطن، و أن هذا الدين يسر. المسألة ليست صورة نطبعها طباعة من دون أن نفهمها.
    هذه الفئة موجودة في كل مكان، تعتقد أنها الصح و أن ما سواها خطأ هذا إذا لم تصل لمرحلة تكفره بها! الإسلام دين جاء ليكرم العقل لا ليفرض عليه ما لا يفهمه. صحيح أن هناك أموراً لم نفهمها و قد لا نفهمها و لكن تلك الأمور معدودة على الأصابع و لا تؤثر على حياتنا اليومية. و هذا منطقي أيضاً فللعقل الذي خلقه الله تعالى حدود لا يمكن أن يتخطاها، و هذا يعني أن هناك أموراً لا يمكنه فهمها و هنا عليه أن يفعل ما أمره الله به.
    أحيانا يتمسك البعض بالحكم من دون أن يفهموا العلة من هذا الحكم، و هذا مشكلة المشاكل.
    و هنا في مسألة قيادة السيارة أيضاً تجد أن الحكم يصدر من غير تحليل دقيق للموضوع، و من غير فهم صحيح لعلة الحكم و كيفية إسقاطها على الواقع. المرأة لا يحل لها أن تخرج بغير محرم هذا مالا يختلف عليه أحد. و لكن الأمر ليس على الإطلاق. فالمرأة تستطيع أن تخرج من منزلها لمنزل جيرانها من غير محرم. و تستطيع الطالبة أن تذهب لجامعتها من غير محرم. المحرم مطلوب ي السفر و ليس ذهاب المرأة لعملها سفراً! نقطة أخرى، المحرم هو لحماية المرأة و المحافظة عليها، الآن خذ امرأة في سيارة و امرأة تمشي في الشارع، أيهما في أما أكثر و بعيدة عن الأذى أكثر!!!!
    المسألة ليست أن تأخذ الحكم ’’على عماها‘‘ كما نقول. أخي عبد الرحمن إذا كنت ترتأي أن نفرض على السعودية عقوبات لمنعها المرأة من قيادة السيرة فانا معك. توكل على الله و أصدر القرار :).

    1. وعليكم أطيب السلام ورحمة الله وبركاته.
      أشعر بالسرور عندما أقرأ تعليقاتك 🙂

      أولأ (وحتى نكون منصفين 🙂 ) يجب الاعتراف أن هذه المشاكل لا تتعلق بدولة معينة، وإن كانت حدتها مختلفة بين مكان وآخر. والداعية الذي يرى بأن صوت المرأة عورة هو داعية سوري. وكما ذكرت أنت، التعصب لا يتعلق بمذهب معين، وهو توجه موجود في جميع التيارات حتى اللادينية. وأنا احترم جداً هذا الداعية ولكني غير ملزم بجميع أقواله. وللتوضيح، الرجل لم يقل بأن هذا هو التفسير الوحيد ولم يتطرق إلى تلك المسألة أصلاً. الرجل عرض وجهة نظره كما يراها هو.

      وما أردت قوله أن ما نطبقه في واقعنا هو فهم بشري لهذا الدين، ويحتمل أن يكون هذا الفهم خاطئاً. ويتوجب على الإنسان ألا يغفل عقله ظناً منه بأن هذه الأحكام مقطوع فيها. نحن مسلمون لأننا متصلون بنص سماوي، ولكن صلة الوصل تتم عن طريق فهم أو تفسير بشري لهذا النص السماوي (كلمة تفسير هنا بالمعنى الواسع ولا أعني بها تفسير القرآن، وإنما أعني بها مجمل الجهد البشري الذي يمارس على النص بهدف الوصول إلى حكم عملي يطبق على أرض الواقع). فالذي يملأ المسافة بين النص السماوي والواقع هو جهد بشري محض. وتظهر المشكلة عندما يظن أحدنا بأن هذا التفسير هو النص ذاته.

      ووفقاً لهذه الصورة نقول بأن الإسلام يحتمل تفسيراً إنسانياً، تفسيراً قائماً على العدل والمنطق والرحمة. كما أنه يحتمل تفسيراً ضيقاً محدوداً. وبالتالي المشكلة ليست في الإسلام أصلاً، المشكلة فينا نحن البشر. وحديثي في هذه التدوينة يدور حول التفسيرات التي تحوي تناقضات. فنقول بأن الإسلام دين انساني يساوي بين البشر جميعاً، وهو في نفس الوقت يرى أن المسلم إذا قتل كافراً فلا يجوز قتله قصاصاً! وهو دين الحرية الفكرية ولكن المرتد يقتل! (وللتوضيح فقط، هاتان القضيتان خلافيتان، فمثلاً هنالك رأي يقول بقتل المرتد، وهنالك من يقول بأن المرتد لا يقتل وحكم القتل يتعلق بالمرتد الذي قام بـ (خيانة الوطن) وليس بالمرتد الذي لم يقتنع بالإسلام، فهذا حقه).

      والواقع أن مفهموم الدليل أصلاً مفهوم عميق جداً. فمصادر التشريع بدايةً قضية مختلف فيها. فالمصدران الأولان (القرآن الكريم والسنة النبوية) لا خلاف عليهما (عند الجمهور لأن البعض ينكر السنة ولا أريد الخوض في ذلك)، أما القياس، فابن حزم (صاحب مدرسة فقهية استمرت فترة طويلة جداً في الاندلس) يرى بأن لاقياس في الدين! وأبو حنيفة يقدم القياس على حديث الآحاد الصحيح، بينما يرى الإمام أحمد بأنه لا شيء يقدم على حديث رسول الله. هذا ناهيك عن فقه المقاصد الذي يعتمد على الواقع كمصدر للتشريع! ما أريد قوله بأن طيف التيارات التي تنطوي تحت الإسلام واسع جداً. وما يشكل دليلاً بالنسبة لشخص قد لا يشكل دليلاً بالنسبة لآخر. وهنالك اختلاف جوهري بين هذه التيارات في مقدار تطابق الأحكام مع المنطق.

      وأنا احترم شخصاً يقول: انا أؤمن بهذا التفسير واعترف بأنه غير منطقي ولكني اعتقد بأنه الحق. وهذا شخص منسجم فكرياً مع ذاته ولا يعاني من تناقضات. وقد يعلل ذلك كما قال صاحب الرد الثالث، بأننا إذا آمنا بالله حكيماً وعليماً وخبيراً يجب أن نسلم لأحكامه. وهو (أي صاحب هذا الرد) مقتنع بأن هذا التفسير هو الصحيح وبأن حكم الله غير منطقي، ولكنه حكم الله ويجب أن أسلم له. ولأتباع هذا الرأي حديث طويل في قصر منطق الإنسان وعظيم حكمة الله، الأمر الذي يفسر إمكانية تطبيق احكام غير منطقية. مشكلتي مع الذي يدعي بأن الإسلام دين العدل والرحمة، ثم يقدم تفسيرات وأحكاماً غير منطقية. يقدمها وكأنها التفسير الوحيد للإسلام. والرد الثاني لا غبار عليه، إلا أنه لا يتعلق أصلاً بالتفسير الذي طرحه الداعية. فالداعية يرى بأن صوت المرأة عورة، وهو أمر لو أردنا تطبيقه لماكان بالإمكان أن نسمح للمرأة بأن تصبح مهندسة وطبيبة! فهذ الرد ينطلق من تفسير مختلف للتفسير الذي طرحه الداعية، وكل منهما يقدم نفسه على أنه الإسلام.

      والأمور التي لم نفهمها لا تشكل مشكلة منطقية و لا تؤدي إلى تناقضات. فطريقة الصلاة مثلاً قد تكون غير مفهومة، ولكنها لا تحتاج إلى تفسير أصلاً لأن هذه الشكلية -كما ذكرت أنت- لا تؤثر بمجرى الحياة اليومية ولا تتعارض مع القيم العليا التي يرفعها الإسلام مثل العدل والرحمة والإنسانية.

      أما بالنسبة للعقوبات على السعودية.. (إي أنا الله يعيني، نملة ماني قدران عاقب 🙂 )

      دمت بخير أخي شادي
      والسلام عليكم

    2. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
      أحببت فقط أن أنوه إلى الحديث الذي ذكر : “أختلاف أمتي رحمة”
      انظر الرابط التالي :
      http://www.dorar.net/enc/hadith?skeys=%D8%A7%D8%AE%D8%AA%D9%84%D8%A7%D9%81+%D8%A3%D9%85%D8%AA%D9%8A+%D8%B1%D8%AD%D9%85%D8%A9&xclude=&degree_cat0=1

  3. دائماً أنسى شيئاً أريد أن أقوله. كنت أريد أن أقترح عليك أن تضيف أزرار المشاركة على Twitter – Facebbok لكي نتكمن من مشاركة مقالاتك الجميلة لتعم الفائدة أكثر.

    1. هذا من لطفك أخي شادي.
      سأقوم بإضافة تلك الأزرار بإذن الله.

  4. وأود أيضا أن أذكر بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم:
    “الحلال بين ، والحرام بين ، وبينهما مشبهات لا يعلمها كثير من الناس ، فمن اتقى المشبهات استبرأ لدينه وعرضه ، ومن وقع في الشبهات : كراع يرعى حول الحمى يوشك أن يواقعه ، ألا وإن لكل ملك حمى ، ألا وإن حمى الله في أرضه محارمه ، ألا وإن في الجسد مضغة : إذا صلحت صلح الجسد كله ، وإذا فسدت فسد الجسد كله ، ألا وهي القلب.”
    رواه البخاري
    يمكن التأكد من الرابط التالي :
    http://www.dorar.net/enc/hadith?skeys=%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%84%D8%A7%D9%84+%D8%A8%D9%8A%D9%86+%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B1%D8%A7%D9%85&xclude=&degree_cat0=1

    وأحب أيضا أن أذكر بالأية التالية من سورة أل عمران:
    ” هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (7)”

    والأية التالية من سورة الأنعام:
    ” إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (159)”

    بارك الله بك أخي عبد الرحمن وزادك علما وتفقها في علوم الدنيا و الدين
    “من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين” رواه البخاري

    1. جزاك الله خيراً أخي اسماعيل…
      أي مسلم يؤمن قطعاً بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة.
      والخلاف -عادةً- يظهر بسبب التفسير والفهم، وليس بسبب ثبوت النص. وكنت أتمنى أن تقرن الآيات بتفسير لها من مصدر ما. عندها نفهم أنك تورد هذه الآيات وفي ذهنك فهم ينتمي لمدرسة معينة. وقد يتبع غيرك معنىً اخراً من مدرسة أخرى.

      هل المتشابهات التي ورد ذكرها في الحديث هي التعارضات الصارخة الواضحة بين الحكم الذي فهمه أحدهم وبين المنطق؟ (علماً بأن القضية خلافية وتحتمل أصلاً الخلاف)
      هل القلب الصالح هو القلب الذي يقول بإسكات المرأة؟ وهل يكون القلب فاجراً إذا رفض ذلك الفهم المنافي للمنطق؟ (علماً بأني احترم الرأيين)
      هل تفريق الدين يعني اختلاف الآراء الفقهية حول قضية معينة، الأمر الذي وقع بين الصحابة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقره (مثل صلاة العصر في بني قريظة، والأمثلة تطول) واستمر إلى عهد الخلفاء الراشدين وإلى يومنا هذا؟

      جزاك الله خيراً اخي اسماعيل…

  5. أخي الكريم, بارك الله بك ونفعنا بعلمك

    أحب أن أورد هنا الأية الكريمة من سورة الشورى:
    ” شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (13)”

    شرع الله واحد من زمن سيدنا نوح ومرورا بسيدنا إبراهيم و موسى وعيسى حتى خاتم النبيين محمد عليه الصلاة والسلام…
    أقصد اختلاف المسلمين في أحد قضايا الدين هو ليس بالأمر الجيد.

    وإذا حدث اختلاف ما نرده إلى أهل العلم, الدارسين والممحصين حيث من الضروري وجود مؤتمر إسلامي يجمع جميع العلماء على مختلف معتقداتهم ومذاهبهم وبلدانهم. حيث قال الله في كتابه الكريم من سورة الشورى
    “وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (38)”

    أما بالنسبة لقضية أن صوت المرأة عورة وعدم السماح لها بقيادة السيارة وما شابه ذلك فيجب أن تعرض هذه الأمور على شورى علماء المسلمين (الذي ذكرته أنفا), وإذا أجمعوا على شيء أجمعنا معهم.

    حسنا, وبما أننا وللأسف ليس لدينا مجلس شورى لخيرة علماء المسلمين على اختلاف مذاهبهم وأطيافهم, فهذا أيضا لا يخول للمسلمين العادين (الغير دارسين للشريعة) أن يحكموا على أمر ما بمنطقيته أو عدمها.

    ربما يستطيع الشخص أن يصل لمرحلة من العلم أن يفتي لنفسه في الأمور المختلف عليها, ولكن افتاء الناس يحتاج لمرتبة أعلى فهو ذو مسؤولية أعظم.

    والله أعلم

    1. جزاك الله خيراً أخي اسماعيل.

      العلماء متفقون على أن الدين واحد والشرائع مختلفة (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا) {المائدة: 48}، والآية تنص على وحدة الدين: شرع لكم… أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه. وللاستزادة اقترح عليك أن تبحث في الفرق بين الشريعة والدين.

      والاختلاف أمر موجود منذ عهد الصحابة وخلال حياة النبي صلوات الله وسلامه وعليه، ولم نسمع أن احداً من صحابته عاتب أحداً على رأي فقهي، ولكل أدلته. وحال كل منهم:( كلامي صواب يحتمل الخطأ، وكلام غيري خطأ يحتمل الصواب). وإن اعتبرت الاختلاف أمراً غير جيدٍ فهو رأيك الشخصي. ولكنه أمر أساسي في الدين ويعود إلى طبيعة استنباط الأحكام. وللاستزادة اقترح عليك قراءة كتاب (الإنصاف في بيان اسباب الاختلاف) لمؤلفه: ولي الله الدهلوي.

      والإجماع وإن كان احد مصادر التشريع فهو ليس المصدر الوحيد، وغالباً لا يتحقق. ومعظم القضايا خلافية.

      طبعاً أنا لست مشرعاً حتى أقوم باستنباط الحكم، ولكنني أملك عقلاً واستطيع من خلاله أن احكم على منطقية الحكم. وأن يأتي أحدهم ويقول إن تكريم المرأة يكون بمنعها عن الكلام، فهذا رأيه. ولست مجبراً أن أسلم عقلي لغيري كي يقرر عني. احترم اختصاص الآخرين، ولكني أطلب الدليل مع الحكم. وإن لم اقتنع فهذا حقي.

      وجزاك الله خيراً مرة ثانية.

      1. “ولكني أطلب الدليل مع الحكم. وإن لم اقتنع فهذا حقي.”
        بوركت يا أخي الكريم
        طلب الدليل, أحد الامور المهمة التي يجب على المسلمين عملها.
        أسأل الله تعالى أن يهديني وإياك وسائر المسلمين سواء السبيل.
        ———————-

  6. أخي عبد الرحمن أظن أن في السيرة النبوية وسيرة الصحابة الكرام مايدل على أن المرأة بإمكانها ان تتكلم وان تعبر عما تريد ولكن على ما اعتقد العورة قد تكون في طريقة الكلام و أسلوبه فإذا كان كلاما بطريقة وأسلوب عادي للتعبير عن الرأي فأين المشكلة مع إحترامي لمن يقول صوت المرأة عورة ولكن أنا شخصيا إذا قال لي أحد ما أنا أكرمك ولكن عليكي أن تصمتي فلن أرى في ذلك تكريما فقد خلق الله لي العقل واللسان لأفكر وأعبر عن ما أفكر مثل أي إنسان ولربما كان في كلامي عبرة وإفادة
    شكرا لك على هذه المدونة وأدعو الله الهداية والحكمة والمعرفة لنا ولجميع المسلمين

    1. اللهم أمين.
      شكراً لك آنسة لبنى على هذا التعليق.

  7. بصراحة، أنا غير قادر ابدأ على مجاراتكم فيما تتكلمون، ولكن لي تعليق على الأخ إسماعيل:
    “حسنا, وبما أننا وللأسف ليس لدينا مجلس شورى لخيرة علماء المسلمين على اختلاف مذاهبهم وأطيافهم, فهذا أيضا لا يخول للمسلمين العادين (الغير دارسين للشريعة) أن يحكموا على أمر ما بمنطقيته أو عدمها.”

    فهل يجوز لنا، ضمن سياق عدم الثقة بعلماء المسلمين حالياً (لكل الأسباب التي ذكرتموها) أن نثق بمنطقنا الشخصي.

    وخاصة أن نتائج هذا القرار من الصعب أن تصل إلى فقدان الإيمان بالله عز وجل، وبالتالي المخاطرة محمودة العواقب في المتوسط.

    على مدى الأيام, وبالذات بعد السفر، تغيرت أفكاري وطريقة تعاملي مع الدين، ولكن إيماني بالله (أو إيماني بوجوده، حتى لا أدخل بمفهوم الإيمان) لم يتغير. فبالتالي إن لم نثق بالعلماء، فلندع النساء تقرر إن أردن قيادة السيارات. والنتائج لن تتجاوز بالسوء الوضع الحالي، الذي هو فقدان روح الإسلام.

    الذي فهمته من القصة، أن هذه الفتاة أحست بالظلم أو قلة الحيلة أمام المفتي، ويوجد اختلاف بين أئمتنا حول هذا الأمر، فأليس من حقها تقرير مصيرها؟

    أنا ضعيف دينيأ بشدة، لكن أحاول أن أصل للحقيقة من الجهة الأخرى، الدنيوية، التي تتوافق وطبيعة الإنسان.
    فاعذروا لي مداخلتي 🙂

    1. أخي العزيز إياد.
      أولاً أود أن أشكرك من كل قلبي على هذه المداخلة الجميلة. فقد أثرت فيّ حقاً وتعلمت منها. أرجو ألا تغتر بظاهر ما قلناه. فكثير من الناس يتكلم ولا يعي حقيقة ما يقول. نسأل الله ألا نكون منهم وأن يعلمنا التواضع أمام أنفسنا أولاً.

      سأطيل قليلاً في الرد فأرجو أن تعذرني وتتحلى بالصبر 🙂

      سأنطلق أخي الكريم من آخر عبارة كتبتها أنت. فأنت تريد أن تصل للحقيقة التي تتوافق وطبيعة الإنسان. وهذا تفكير إنسان منطقي يعي أن أي طرح لا يتناسب مع طبيعة الإنسان لايمكن أن يكون الحق. وفي حالة دين نؤمن بأنه من عند الله، فإن هذا التوافق شرط ضروري له.

      والإسلام في جوهره يعني الخضوع والاستسلام لإرادة الله تعالى. هذا الخضوع المبني على محبته تعالى والشعور بحنانه وعطفه وعظمته. وهذا الأمر يمثل الركيزة الروحية لهذا الدين. ويعزز ذلك ركيزة فكرية ناتجة عن مراقبة هذا الكون وإدراك عمق حكمة الله فيه. وهذا الخضوع اختياري، فليس من الإسلام أن نشعر بالإكراه أثناء تأدية أحكامه، بل الإسلام أن نطلب نحن ذلك، وحالنا (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين).

      وحتى نبقى في حالة من التماسك الفكري دون تناقضات، لابد من تأدية متطلبات هذا الخضوع. فإن كنا أسلمنا فعلاً لله رب العالمين عن حب وقناعة، فلابد إذاً أن نتخلى عن بعض اختياراتنا للخيارات الذي يريدها الله تعالى، وهل يعني الخضوع والاستسلام غير ذلك؟

      على أن جوهر أوامر الإسلام هي (إن الله يأمر بالعدل والإحسان). (يريد الله ليخفف عنكم). وبالتالي الشعار الذي يرفعه الإسلام هو العدل والإحسان والرحمة. ويرفع الإسلام أيضاً شعار التماسك المنطقي (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً). وهذا هو الأمر المنطقي الذي نتوقعه في أي رسالة تدعي أنها من عند الله. نتوقع رسالةً مليئة بالعدل والرحمة والإنسانية والمنطق.

      والطريق المنطقي للوصول لأحكام الله هو القرآن الكريم والسنة النبوية، وللوصول إلى هذه الأحكام لابد من استخدام منهجية في ذلك ، ولا توجد منهجية واحدة وإنما توجد عدة منهجيات، وهذه المنهجيات ليست عشوائية وإنما ظهرت ملامحها الأساسية في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، وذلك من خلال آلية تعامله هو صلوات الله عليه مع النصوص للوصول إلى الأحكام، ومن خلال إقراره بالآليات التي اتبعها صحابته في تحقيق نفس الهدف (الوصول إلى الأحكام). وكأي علم آخر، تطورت هذه المفاهيم وتبلورت مع مرور الزمن حتى شكلت مجموعة من المدارس، منها المذاهب الأربعة، ومنها مدرسة المقاصد وغيرها. ولا تزال هذه الآليات تتطور مع تطور العقل البشري وتوسع مداركه.

      والعبارة التي نقلتها أنت عن اسماعيل لا أوافقه عليها (مجلس شورى يصدر فتوى واحدة – علماً أن هنالك مجمعات فقهية تلعب هذا الأمر)، واعتقد أنك تستطيع الآن أن تعرف السبب. فاختلاف المدارس والمنهجيات سيؤدي حتماً إلى اختلاف الأحكام. وهذا الاختلاف وقع على عهد رسول الله وأقره هو.

      ووجود الاختلاف ليس مبرراً لتجاهل الأخذ بها. لأننا – كمسلمين- خاضعون ومستسلمون لإرادة الله التي تتمثل في أحكامه. فاعتناقنا الإسلام بمعنى الخضوع لإرادة الله يحتم علينا تطبيق أحكامه بالشكل الذي يريده الله تعالى. وبالتالي القضية ليست قضية ثقة بالعلماء، فتسليمنا الوحيد والكامل لا يكون إلا لله تعالى، أما العلماء فهم بشر، يصيبون ويخطئون. وبالتالي يجب علينا أن نأخذ الحكم (بسبب خضوعنا لله) ونتأكد من أنه فعلاً حكم الله (عن طريق منطقيته ودليله).

      فإذا ما أحست الفتاة بالظلم، فمن حقها أن تتأكد من أن ما تطبقه هو حكم الله تعالى، لأن الله تعالى نفى الظلم عن أحكامه (وما ربك بظلام للعبيد). وغالبية القضايا لها أكثر من حكم. فإذا ما اقتنعت بأن إحداها هو فعلاً حكم الله العادل الرحيم، فلتطبقه.

      عذراً على طول هذا الرد، وإذا كان لديك اي تعليق أو سؤال فأرجو ألا تتردد في طرحه. فأنا شخصياً أعتقد بأن الدين الحق هو الدين الذي يتحدى الأسئلة ويقدم إجابات مقنعة عليها. لا الدين الذي يهرب من الاسئلة ويغلق الأبواب في وجهها.
      وشكراً مرة ثانية أخي إياد على هذه المداخلة الجميلة

  8. السلام عليكم
    بداية جزاك الله خيرا أخي عبد الرحمن على هذه التدوينة الجميلة ، والحقيقة أنه من الجميل جداً كيف حولت تلك القصة العابرة إلى تدوينة كهذه وضعت يدها على مشكلة حقيقة يعاني منها واقعنا المعاصر ..
    لكن مما أثار انتباهي هو اعتراضك على الرد الثالث، حيث تقول أنه يجب أن نسلم لحكم الله وبأنه أفضل من شرع البشر، وحقيقة هذا القول هو من البديهيات التي لا يختلف عليه مسلمان، فهل من الممكن مقارنة حكم إلهي بحكم بشري، هل ممكن أن نقارن حكم الخالق مع حكم المخلوق، إذاً هي حقيقة لا خلاف عليها، وبالتالي فنحن متفقون على أن الامتثال لحكم إلهي هو خيار العقل والمنطق لكنك سرعان ما استدركت فقلت “إنني وكمسلم اؤمن يقيناً بأن أمر الله هو الأفضل قطعاً. ولو كانت هنالك آلية مباشرة يمكن للبشر من خلالها أن يعرفوا أحكام الله لماكان هنالك من سبيل آخر غير اتباع هذه الأحكام ولو بدت غير منطقية. ولكن الواقع غير ذلك، فالأحكام الفقهية هي نتيجة تفسير بشري ومحاكمة بشرية لنصوص سماوية، وبالتالي فالتسليم هنا لا يعني التسليم لله بقدر ما يعني التسليم لفهم بشري!”
    وهنا يبرز سؤال مهم، هل انتفت الصبغة الإلهية عن أحكام الله بمجرد تفسيرها؟ أو هل ينتقل الحكم الإلهي إلى حكم بشري بمجرد تفسيره؟
    و للإجابة على هذا السؤال أرى أنه يجب أن نتذكر أن في الشريعة منطقتين متمايزتين:
    منطقة المقاصد الكلية والقواعد الشرعية ، والأحكام القطعية (القطعيات) : وهي التي أجمعت عليها الأمة
    منطقة الظنيات من الأحكام، وهي معظم الشريعة ، مما ثبت بنص ، لم تتوافر له قطعية الثبوت والدلالة معاً ، بأن كان ظنيا في ثبوته ، أو في دلالته ، أو فيهما معاً
    ومنطقة الظنيات هذه بقسميها ” ما ليس فيه نص ظني ، وما فيه نص ظني ” ليست كلاً مباحاً ، يرعاه كل من هب ودب وإنما يجب أن تفهم في ضوء المنطقة الأولى وفي إطارها بحيث يسير الجزئي في كنف الكلي ، ويرد الظني إلى قطعي ويفهم المتشابه في دائرة المحكم ولا تضرب النصوص ببعضها ببعض ، وهنا لا بد أن نشيد بعلم اصول الفقه الذي يعتبر أحد مفاخر التراث الإسلامي انفرد بوضعه المسلمون وقعدوا قواعده العقلية والدينية واللغوية ليضبطوا كيفية الاستدلال بالنصوص الشرعية ، والاستنباط فيما لا نص فيه
    ما أريد ان أستخلصه أن هذه العملية البشرية (تفسير الأحكام) هي عملية مضبوطة بأحكام شرعية، على الرغم من اختلاف الأراء في أي حكم إلا أنها غالبا ما تكون ضمن دائرة محددة ، وبالتالي لايمكن أن نقول عن رأي هذا الداعية أنه غير منطقي طالما أنه استخدم هذه الأدوات في استخلاص حكمه ، ولكن يمكن أن نقول أنه غير متوافق مع زمان ومكان معينين، وهنا يجب أن لا ننسى أن نسأل إلى من كان يوجه هذا الداعية كلامه؟ إلى المتدينين أم اللادينيين؟ وفي أي بيئة كان يتكلم؟ بيئة شرقية أم غربية؟
    أريد أن أقول في النهاية أن الرد الثالث هو رد العقل والمنطق ، و وهو لا ينفي أننا بحاجة لأن يقوم الاجتهاد في عصرنا بدور أكبر منه في أي عصر آخر نظرا للتغيرات الهائلة والمتلاحقة وان نرى اجتهادات مبنية على مصالح البشر أفرادا وجماعات

    1. جزاك الله خيراً أخي اسامة على هذا التعليق المفيد الذي أغنى التدوينة.
      وأود أن أؤكد على ماذكرته أنت، فعملية استنباط الأحكام عملية لها قواعد ولا تتم كيفما اتفق، وتحتاج حتماً إلى المختصين من أجل استنباط حكم معين. ولا أريد أن يفهم أي شخص أنني ادعو إلى غير ذلك.

      والحقيقة أن الحكم الفقهي هو نتيجة تفاعل العقل البشري مع النص السماوي وفق قواعد معينة، وهذه العملية تتم في واقع معين. ولا يمكن أن نصل إلى حكم فقهي دون عملية التفاعل هذه، وبالتالي توجد مسافة بين النصوص السماوية وبين الأحكام التي تطبق على أرض الواقع. والحقيقة أن هذه القواعد ليست ثابتة وإنما متغيرة. تتغير حسب المدرسة الفقهية والواقع وتطور العقل البشري وما إلى ذلك.

      والرد الثالث يتناول البعد الفلسفي لأحكام الله تعالى، وليس البعد العملي. فالفتاة أعترضت على منطقية حكم معين بالذات، والرد يتعلق بفلسفة الأحكام بشكل عام. خاصة وأن اعتراض الفتاة منطقي تماماً، فهذا الحكم يتعارض أصلاً مع شعارات الدين كالعدل والرحمة والمنطقية. الرد الثالث -بنظري- صحيح، ولكنه لا يتعلق بالجانب الذي تتحدث عنه الفتاة. فهو يتحدث عن أحكام الله بشكل مجرد. وليس عن طريقة التعامل مع حكم معين صدر من فقيه أو داعية ما.

      وبمجرد أن نتحدث عن الأحكام الفقهية، فنحن نتحدث عن أحكام صدرت وفق قواعد معينة. أما منطقية الأحكام بحد ذاتها وواقعيتها، فأمر آخر، وقد يصدر حكم فقهي وفق قواعد مدرسة معينة، ولكنه لا يراعي الواقع، وغير قابل للتطبيق، بل ويخالف المبادئ العليا التي يرفعها الدين. وهذا الأمر موجود مثل (تحريم قيادة المرأة للسيارة). ولو أن الحكم صدر بدون قواعد لماكان له قيمة أصلاً.

      ونحن نحترم جميع التيارات الفكرية، ويحق لأصحابها القول بما يرونه حقاً، ويحق للناس الأخذ بما يرونه الحق.

  9. السلام عليكم ورحمة الله عبد الرحمن
    لقد ذكرت في مقالك بعض القضايا التي أختلف معك فيها، وعندي بعض الأسئلة أتمنى أن تعلق عليها ، عسى أن يهديني الله وإياك إلى الحق والصراط المستقيم.

    – ما المقصود من الآية (وما كان لؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم). ؟
    فأنا أرى أن معناها : لا ينبغي لؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم، بل عليهم الطاعة وعدم التردد في الانصياع. فهل أصبتُ بتفسيري فهم مراد الله؟

    – هل اختلاف الصحابة والتابعين والعلماء من بعدهم هو اختلاف تنوع، أي كل الأقوال المختلفة مقبولة عند الله طالما أنها لا تصادم العقل والمنطق؟ وإذا كان جوابك “نعم” : فلماذا كانوا ينكرون على بعضهم البعض، وكلٌ يستدل بما عنده من الأدلة ليـُـظهر أن ما عنده هو الحق وما عند الآخر مخالف للصواب؟ طالما أنه من اختلاف التنوع، وهو رحمة بالمسلمين!. ألا ترى معي أن إصرار علماء المسلمين على مناقشة اختلافاتهم وإنكارهم على بعضهم على مر العصور قد يُــعدّ -وفق ذلك المنظور- نوعاً من إضاعة الوقت؟

    – إذا أمرك الله مباشرة بقتل نفسك بقول “اقتل نفسك”، هل ستنصاع للأمر فوراً أم ستعرضه على العقل والمنطق، فيـُـقال: “لا يأمر الله بقتل النفس”. إذ توجد آية يقول تعالى فيها مادحاً الذين يسارعون في الطاعة رغم صعوبة ما يؤمرون به: (ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليل منهم ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيراً لهم وأشد تثبيتا) [النساء 66]

    – هل الإجماع ملزم ؟ أي إذا أجمع العلماء على قتل ساب الرسول صلى الله عليه وسلم، هل يلزمني هذا الإجماع كمسلم مستقل عن منظومة علماء الدين المجمعين على فكرة ما؟
    ملاحظة: هذا الإجماع على قتل ساب النبي موجود وليس مجرد فرضية.
    ” قال ابن المنذر رحمه الله :
    “أجمع عامة أهل العلم على أنَّ مَن سبَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم عليه القتل” انتهى .
    ” تفسير القرطبي ” ( 8 / 82 ) .
    وقال الخطابي رحمه الله :
    “لا أعلم أحداً مِن المسلمين اختلف في وجوب قتله” انتهى .
    ” معالم السنن ” ( 3 / 295 ) .”

    – أجمع العلماء على قاعدة “سد الذرائع”، فهل تقبل بها؟
    “ودليل سد الذرائع أصل في مذهب الإمامين مالك وأحمد بن حنبل، مع الاستدلال به في مذهبي الإمامين أبي حنيفة والشافعي، ضمن القياس والاستحسان، دون جعله دليلاً مستقلاً .”

    – بعض القضايا المجمع عليها قد لا توافق العقل، كقتل المرتد ، وإباحة الزواج من ثانية، وقطع يد السارق، ورجم الزاني المحصن، وجلد الزاني الأعزب، ووجوب الحجاب للمرأة! .. فهل يحل للمسلم التردد فيها إذا لم توافق عقله حتى بعدما يستفسر من العلماء عن صحتها؟

    – أنت تصلي وتصوم، فلماذا قبلت فهم العلماء لكيفية الصلاة والصيام، ولم تقبل فهمهم في قضايا أخرى (المجمع عليها خاصة ً)

    وأحب التنويه إلى أن صوت المرأة ليس عورة، فالنساء في زمن النبي كانت تشتكي له و في زمن الصحابة تشتكين لهم. أما إذا كسّرت صوتها ونعّمته فهذا الذي يحرم، وهو المسمى (الخضوع بالقول) .. قال تعالى (فلا تَخضعن بِالقول فيطمع الذي في قلبِه مَرَضٌ وقلنَ قولًا معروفًا) [الأحزاب 32]

    هذا ما بجعبتي حاليا. وأرجو أن يتسع الصدر لأسئلتي، فليست هي لمجرد الجدال، بل للوصول إلى الحق (في هذه القضايا المطروحة) إذا كان معي، أو إذا كان معك… والله المستعان

    1. وعليكم السلام ورحمة الله.
      أولاً أود أن أشكرك على هذا التعليق، فهذا النوع من التعليقات يجعل الإنسان يتواضع أما نفسه ويتعلم من الآخرين. وأرجو ان تتحلى بالصبر أثناء قراءتك لمايلي.

      بدايةً لابد من التوضيح أن المشكلة ليست مع أحكام الله تعالى، وقد قلت بأنه لوكان هنالك إمكانية لمعرفة الحكم بطريقة مباشرة لماكان بالإمكان غير الإمتثال. المشكلة أن هذه الأحكام تمر عبر محاكمة بشرية وفق ادوات مختلفة، وفق هذا المعنى فإن التسليم المباشر يعني هنا التسليم لرأي البشر الذي يحتمل الصواب والخطأ. أما لو تبين لإنسان ما أن هذا هو حكم الله في قضية ما، فلابد له من التنفيذ. وبالتالي ما نناقشه هنا متعلق بإصدار الحكم وليس بفلسفة الحكم نفسه. خصوصاً وأننا عندما نطرح الإسلام نطرحه كدين يرفع شعار العدل والرحمة والإنسانية. فلو أن الله تعالى قال لنا بأن أحكامه غير منطقية وهدفها ظلم الناس والتضييق عليهم، لماكان هنالك من داع أصلاً لمناقشة هذا الموضوع. ووقتها سيكون الجواب على اعتراض الفتاة بأنه لا يشترط في أحكام الدين أن تكون رحيمة وعادلة ومنطقية.

      ووفقاً لما سبق، فإن أي حكم مباشر من الله تعالى (كأن يأمرني أن أقتل نفسي) لايمكن أن يقابل إلا بالتسليم التام والخضوع مع الثقة بأنه الخير ولو لم نراه بأعيينا. ولماكان هنالك من إمكانية للإختلاف. ولكن الحال ليس كذلك، فالأحكام تصدر عن طريق تفسيرات بشرية للنصوص السماوية، والدين ليس علماً تجريبياً، بمعنى أنه من غير الممكن أن نحكم على صحة الحكم بطريقة قطعية، وهو في هذا الناحية يشبه علم الفلسفة (أتكلم عن منظور إثبات القضايا). فالقضايا الفلسفية لا يمكن اثباتها تجريبياً، ومعظم القضايا الفلسفية تحتمل أكثر من وجهة نظر. ولا يمكن لفرد ما أن يفضل رأياً على رأي إلا بالنظر في أدلتها ومنطقيتها. والأمر مشابه في الدين، فبالرغم من وجود نصوص مشتركة، إلا أن الاختلاف قائم ولا يمكن إلغاؤه. ويعود إلى فلسفة استنباط الأحكام، ولا توجد آلية تسمح لنا بمعرفة حكم الله الحقيقي بشكل قطعي. وبالتالي يجتهد كل مجتهد وفق منظوره الخاص ويتوصل إلى حكم، ويناقش الآخرين مقتنعاً بأن ما توصل إليه هو الحق. وقد ينجح في إقناع الآخرين وقد لا ينجح. من أجل ذلك يعذر كل فرد أخاه.

      أما قضية الإجماع، فالقضية ليست بوقوع الإجماع فقط، فأولاً القضايا المجمع عليها هي أصلاً قضايا قليلة مقارنة بالقضايا الخلافية. وهنالك عدة اسئلة أخرى، فوقوع الإجماع أولاً هو أمر ظني، فما يدريك أن أحد العلماء خالف ذلك الرأي ولم يسمعه القائل بالإجماع؟ وبالتالي الأولى القول (لم أسمع أحداً قال بغير ذلك). ثانياً، لو فرضنا وقوع إجماع في عصر ما، هل يجعل ذلك الحكم أبدياً؟ أم أن انتفاء الإجماع في عصر تالٍ يمكن أن ينسخ ذلك الموضوع؟ والرأي الثاني أقرب للعقل والمنطق والواقع من الأول، لأن الواقع والبيئة يتباينان بشكل كبير عبر الزمن، والعقل البشري بطبيعته يتطور.

      وبعض القضايا التي أشرت إليها وقلت بأنها مجمع عليها هي قضايا خلافية في عصرنا. فمحمد الغزالي مثلاً لا يرى بقتل المرتد الذي لم يقتنع بالدين، وهو يفرق بينه وبين المرتد خيانةً للوطن. وبعض العلماء في الواقع الغربي (مثل طارق رمضان) لا يرون بقتل من سب الرسول صلى الله عليه وسلم، وهم ينطلقون من واقع وتحديات يعيشونها تختلف تماما عن الواقع الذي نعيشه في المشرق. وهو (أي طارق رمضان) صاحب دعوة إلى وقف تطبيق الحدود في الدول التي تطبق الحدود مع فتح حوار حول ذلك (لأكثر من سبب، أولها أن تلك الدول تطبق الحدود بطريقة لا تحقق أهداف الحدود، فهي تطبق على الفقراء فقط، وثانياً، هو يسأل، هل هنالك شروط ثقافية واجتماعية معينة لتطبيق تلك الحدود، وهل هذه الشروط موجود في عصرنا؟) والحدود لا تعاني أصلاً من مشكلة منطقية. وهي منسجمة مع جوهر الدين ولا مجال هنا لبسط فلسفتها.

      وقولك بأن صوت المرأة ليس بعورة هو التفسير الذي تتبعه أنت وفق المدرسة التي تنتسب إليها، وهنالك من يرى بأنه عورة. ويحق لي أن أنظر وأقيم هذه الأدلة في ضوء الشعارات التي يرفعها الإسلام ذاته.

      وجزاك الله خيراً

  10. سأعلق على التدوينة قبل أن أقرأ تعليقات غيري وقد أعود للتعليق بعد قراءة هذه التعليقات.
    أما بالنسبة للمدونة فأنا معك ١٠٠٪ ولكن لدي تعقيب على طرحك،
    فأنا فكرت سابقاً بهذه المواضيع ووجدت نفسي عند مواجهة فتاوى أو آراء “غير منطقية” – أو عند مناقشة من ينتقد فتوى كاللتي تحدثت عنها – أمام أحد حلين لم أجد لهما ثالثاً
    وهنا قبل أن أسرد الحلين أؤكد على أن هذين الحلين بتم اللجوء إليهما فقط عندما تكون الفتوى غير منطقية – بالنسبة لي أو لمن يناقشني – وليس عندما تكون هذه الفتوى مخالفة لما أحب وأشتهي أو عندما يكون تنفيذها صعباً
    الحل الأول: هو دراسة المواد الشرعية واللغة العربية حتى أصل علمياً إلى المستوى الذي يؤهلني إلى الاجتهاد – أو الإفتاء – وانتقاد هذه الفتوى
    الحل الثاني: هو البحث عن فتوى “منطقية” عن عالم مشهود له بالعلم والصلاح والأخذ بها
    – ويوجد حل قد ينفع إذا استطعت الوصول لمن أفتى هذه الفتوى وتناقشه فيها –
    والحلين يحتاجان لوقت ومجهود، ولذلك أعتقد أن اللذي يناقش أحد اللادينيين يستسهل أحد الردود الثلاثة التي سردتها، أو أنه بحكم عادات وتقاليد مجتمعاتنا لم يعد يرى غير الرد الذي يرد به، أو أنه قد يرى المنطق في هذه الفتوى إذا نظر بعين المجتمع الذي يعيش فيه

    وفي النهاية أنا أرى أن الرد الثاني هو الأكثر منطقية ولكنه ناقص .. حيث أن الإسلام كرم المرأة وأعطاها حقوقها كاملة ومنها قيادة السيارة وأن صوتها ليس عورة (إن كان مضبوطا بضوابط معينة) وأنا أستند في هذا الكلام على فتوى لعالم مسلم مشهود له بالصلاح ولا تقتصر الفتوى على هذا الداعية الإسلامي الذي أفتى بخلاف ذلك، وبالنسبة لي – عند وجود هذين الرأيين المتناقضين من شخصين لهما نفس الدرجة العلمية – فإن هذا الحكم تقريبا صحيح بنسبة ٥٠٪ ونقيضه صحيح بنسبة ٥٠٪ وبالتالي أنا آخذ بالحكم الذي يدعمه المنطق الذي أراه

    وجزاك الله خيراً 🙂

    1. أولاً أود أن أشكرك أخي علاء على هذا الطرح، وقد أضفت نقطة أو نقطتين جديدتين إلى النقاش.
      بالنسبة للحلين الذين اقترحتهما، الواقع أن الحل الأول ممكن جداً، ولكن مع تعديل بسيط. فليس المطلوب من غير المختلص إن يدرس المواد الشرعية كلها أو اللغة العربية أصلاً. المطلوب منه أن يراجع فقط العناصر التي استخدمها المفتي للوصول إلى فتواه. طبعاً يجب أن يكون لدى الطرفين (المفتي والسائل) الاستعداد لذلك، ويجب أن يكون لدى السائل أرضية مبدئية. وعادةً ما تصدر الفتوى بدون دليلها. وبالتالي يجب على السائل أن يطلب الدليل ويتحرى عنه. ومع مرور الوقت تسهل العملية، ويتكون لدى السائل أرضية جيدة تسهل عليه السؤال.
      والواقع أن كلمة دليل أصلاً كلمة عميقة وتختلف حسب المدرسة التي تنتسب إليها، فما يكون دليلاً بالنسبة لك قد لا يكون دليلاً بالنسبة لي. الأمر الذي يحتم على الشخص الذي يريد أن يسلك هذا الطريق أن يسأل الفقيه الذي ينتمي إلى المدرسة ذاتها التي انتمي إليها.

      وبالنسبة للرد الثاني، فأنت تعني ضمنياً أنك توافق الفتاة على اعتراضها على تلك الفتوى. ولكي نكون دقيقين، يجب أن نقول بأن *الرأي* الذي تتبعه أنت يرى بأن الإسلام كرم المرأة وأعطاها حقوقها بهذه الطريقة. لأن غيرك يتبع مدرسة أخرى تكرم المرأة بطرق أخرى، كحرمانها من قيادة السيارة وجعل صوتها عورة وما إلى ذلك. طبعاً وقد ذكرت أنت أنه يوجد ضوابط للصوت، وهذه الضوابط تختلف بين مدرسة وأخرى، فهنالك من يرى بأن الصوت ليس عورة على المحرم وبأنه عورة على الأجنبي، وهنالك من يرى بأنه لاحرج في التكلم ولكن لا يجوز الغناء. ومحمد الغزالي مثلاً كان لا يرى حرجاً في غناء المرأة وكان يستمع إلى أم كلثوم! وبالتالي وحتى نكون واقعيين يجب أن نقول بأن الإسلام يقبل تفسيراً يكرم المرأة وفق نظرة معينة، كما أنه توجد تفاسير بعكس ذلك (دعك من الشعارات التي يرفعها الجميع ولننظر إلى أرض الواقع).

  11. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    أشكرك على سرعة الرد، وحسن الخلق، فهذا ما نفخر به كمسلمين أمام العالم.
    أما طلبك لي بالتحلي بالصبر، فستجدني إن شاء الله من الصابرين.
    قبل أن أبدأ أحب أن أننوه أن أسئلتي كانت نوعاً من الاستفسارات لمعرفة منهج الآخر، وليست كما يظن البعض نوعاً من اختبار معلومات الشخص المخالف في مسألة ما أو لمجرد الجدال والسفسطة، فهي -الأسئلة-ضرورية قبل أن أبدأ بتصحيح مفاهيم الآخر -وفق ما أظن أنه أخطأ فيه- فلعلي لم أكن أفهم قصده تماماً.
    ولكن إن كان لا بد، فبسم الله أبدأ:
    سأفترض أنك تتفق معي مسبقاً على أنه عند الاختلاف فمرجعنا هو الله ورسوله بنص الآية الواضح والمفهوم والذي لا يختلف فيه اثنان:
    (فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إِن كنتم تؤمنون بِالله واليومِ الآخر ذلك خير وأحسن تأوِيلا). وإذا قيل “حتى هذه الآية تقبل الخلاف، لأن كيفية الرد إلى الله ورسوله يكون حسب فهم المختلفين -المختلفين أصلاً في حكم ما- ولن نعرف قطعاً ماهو مراد الله من هذه الآية”. فهذا غير وارد، لأن الله يأمرنا عند الاختلاف بالتحاكم إلى القرآن والسنة، فإن كانت كيفية هذا التحاكم أيضاً موضع خلاف، فكيف يأمرنا الله بالانتقال من خلاف إلى خلاف؟ ؛ أي، من خلاف على حكم مسألة ما إلى خلاف على كيفية التحاكم إليه ولرسوله، أظن أن هذا نوع من العبث، وهو محال، لأن الله لا يعبث ولا يلعب -تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا-
    والقول بـأن “التسليم المباشر يعني هنا التسليم لرأي البشر الذي يحتمل الصواب والخطأ”:
    فإن هناك فرق بين رأي البشر وحكم الله وفي هذه المقولة تم جعلهما شيئاً واحداً، فالرأي البشري، هو مثلاً قول أحدهم: “إن الإسلام ساوى بين الجنسين، وبالتالي يجب أن نسمح للمرأة بالزواج من آخر كما نسمح للرجل”
    أما حكم الله، فهو مثلاً، “يحل للمسلمين أكل ذبائح اليهود والنصارى”. لقوله تعالى: (وطعامُ الذين أوتُوا الكتابَ حِلٌّ لكم)، وهذا حكم لله ماض إلى قيام الساعة لا يحل تأويله أو وقفه لا بقول عالم ولا فقيه ولا شيخ كبير ولا صغير ولا داعية مع ثلاث شهادات دكتوراة ولا أي أحد، لماذا؟ لأنه حكم الله، بلسان عربي مبين، يفهمه صغار طلبة العلم قبل الكبار.
    وإلا فلماذا يأمرنا الله بالتحاكم إليه، ويذم الذين يتاحكمون لغير شرع الله، إذا كان حكم الله يعترضه الصواب والخطأ، -ولكن ليس لذاته بل لمروره على أفهام البشر المعرضة للخطأ، -كما قد يقال-؟
    قال تعالى (أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون). أليس حكم الله -وفق منظور المقال- صار حكماً نظرياً في السماء، ليس له تطبيق عملي معصوم على أرض الواقع؟
    قال تعالى ( وأنزلنَا إِليك الكتابَ بِالحق مصدقا لِمَا بَينَ يَدَيهِ من الكِتَابِ وَمهيمنا عليهِ فاحكم بينهم بما أَنزلَ الله ولا تتبِع أهواءهم عمّا جاءك منَ الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاءالله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم في ما آتَاكم فاستَبِقوا الخيرات إِلى الله مرجعكمْ جميعًا فينبئكم بمَا كنتم فيه تَختلفونَ). إذن اختلاف الأديان -كما هو الحال مع اختلاف الأحكام- هو ابتلاء من الله (أيْ، امتحان)، ليرى من سيستبق الخيرات ممن سيضل الطريق. من سيتحرى أرجح الأقوال وأقواها أدلة وأصحها نسبةً، ممن سيأخذ بكل قول مما وافق هواه أو عقله أومنطقه من هذه الأقوال المختلفة المتباينة. قال تعالى ( أرأيت من اتخذ إِلههُ هواه أفأنتَ تكون عليه وكيلا ) . فكل من يريد أن يتبع هواه، يكفيه أن يقول “عرضت الآية -كذا- على عقلي وفهمي وهذا ما فهمته من الآية، فلا تلزموني فهمكم”. وماذا تعني الآية (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرونَ بِالمَعروف وينهونَ عَن المنكر) إذا كان المعروف والمنكر ظني وليس قطعي، بحيث يقول المخالف: “أعلم أن الله أمرنا بالمعروف ونهانا عن المنكر، ولكننا لن نستطيع معرفة المعروف والمنكر بالضبط وفق مراد الله لأن عقولنا قاصرة؟”. ألم يعلم الله أن عقولنا قاصرة عندما أنزل إلينا القرآن ليدلنا على طريقة نفهم بها مراده؟ .. سبحانه بل إنه هو العليم الحكيم، أنزله بلسان عربي مبين، ويسر لنا العلماء الربانيين الذين يفهمون ما صعُب منه ويعلمونه للناس. (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) فأمرنا الله بسؤال أهل الذكر لكي نـتبـين الحق، لا لكي نقع في خلافات أخرى غير التي نحن فيها أصلاً.

    ولنعلم أن أكثر الناس فهما لمراد الله ورسولته هم صحابته ثم التابعين ثم أئمة المتبوعين. فالعناية بأقوالهم تعيننا على الفهم القويم للكتاب والسنة.
    قال صلى الله عليه وسلم (خير الناس قرني ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم ، ثم يجيء أقوام : تسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته)
    صحيح البخاري 2652
    
    والشاهد قوله تعالى (والسَّابقونَ الأولونَ منَ المهَاجرينَ والأنصَار وَالذينَ اتَّبعوهم بإحسَان رَضيَ الله عنهُم ورضوا عنه )، فقد رضي الله عن الصحابة وتابعيهم بإحسان، وكل من تبعهم إلى يوم الدين، فاستخدام فهمهم في الأحكام يجعل المسلم على صراط مستقيم.

    أما القول بأن الأحكام كلها تمر عبر فهم بشري وبالتالي نحن نسلّم للبشر وليس لرب العالمين. فأسأل: لماذا ننكر إذا على من يفطر في نهار رمضان دون مرض أو عذر؟ ألا يحق له أن يقول “ضيّفني صديقي -وهو من غير ديني- كعكة فخشيت أن أحرجه، فأكلتها” فإذا قيل له ولكن هذا محرم بالاتفاق (بالإجماع)، يقول “ولكن اتفاق علماؤكم لا يلزمني، ففهمهم بشري غير معصوم، وأنا لا أريد إحراج صديقي. ألم يأمرنا الإسلام بحسن المعاملة؟ ثم هاهو الداعية الجديد الدكتور فلان يفتي بجواز الأكل في رمضان في مثل هذه الحالة! “. ولا أظن أن أحداً يقول بصواب بهذا الطرح، وإلا فكبـّـر على تدينه أربعاً.
    تخيل ماذا يحدث لو كان هذا صحيحاً، تــُـترك الصلاة بحجة عدم حجية الفهم البشري للعلماء، وتترك الزكاة والحج ويترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغير ذلك من الأمور التي ثبت وجوبها عند كثير من المسلمين، وهذا بحجة أن “النص بذاته ملزم ولكن فهم العلماء له ليس ملزما!”. فأصبح إلزام النص لنا مجرد إلزاماً نظرياً لا وجود له على أرض الواقع، ولكن أنى لهذا أن يكون صحيحاً والله تعالى يقول ( وأن هذا صراطي مستقيما فاتَّبعُوهُ ولا تتّبعُوا السُّبلَ فتفرَّقَ بكُم عن سَبيله ذلكُمْ وَصَّاكُمْ به لعلكُمْ تَتقونَ ). أيُّ صراط مستقيم هذا إن كانت كل الأحكام
    الفقهية قابلة للطعن. نعم ، لا أحد ينكر وجود الاختلاف الفقهي، ولكن لماذا نفرح به ونمدح؟ إن الاختلاف سنة كونية ولكننا مأمورون بتجنبه، فحدوثه ليس حجة على السعي نحوه ومدحه.
    قال تعالى : (ولو شاء ربك لجعل الناسَ أمة واحدة ولا يزالونَ مختلفين . إِلا من رحم ربك ولذلك خلقهم). انظر أخي الكريم كيف وصف الله رحمته بأنها تطال الغير مختلفين، ويقول تعالى- توضيحاً بأنها سنة كونية- (ولذلك خلقهم) أي للاختلاف، ففريق محق وفريق مخطئ وليسوا كلهم سواء.
    أما رواية (اختلاف أمتي رحمة) فهو حديث باطل منكر لا يصح أبداً عن النبي، ومن حكم بضعفه ووضْعِه كثير من المحدثين، منهم: السخاوي “المقاصد الحسنة 47” والسيوطي “تدريب الراوي 2/167″، وملا علي قاري “الأسرار المرفوعة 108″، ومحمد جار الله الصعدي “النوافح العطرة 23” ، والشوكاني “الفتح الرباني 5/2156″، وأطلب من أي أحد أن يأتي لنا بمحدث واحد صححه -وليس مجرد ذكره في كتاب، فمجرد ذكر الرواية في كتاب لا يـُـعد تصحيحاً كما لا يخفى عند أهل الحديث- .
    كذلك انتشار الباطل سنّة كونية، فلا يوجد عصر من العصور وإلا الباطل يحاول أن يـُـسكت الحق. هل يـُـحتج بإقرارنا على انتشار الباطل أنه شيء محمود وجميل؟
    السؤال هو: “هل الله تعالى عندما يأمرنا أمراً أو ينهى عن نهي، ثم اختلف الناس في فهمه، هل الله يأمر أمراً يقصد به الوجهين المختلفين المتناقضين، أم يقصد أمراً واحداً، بحيث إذا اختلف العلماء الفاهمون ، فإن أحدهم محق؟”
    ليست كل الأحكام الفقهية قطعية الدلالة، هذا صحيح لوجود الاختلاف -مع التيقن أن الحق واحد – ولكن لا يدل هذا على أن كل الأحكام ظنية. أليس هذا صحيحاً؟ فمثلاً، هذا حكم فقهي بيّن:
    “يحرم الزنا وكل مقدماته”.
    والدليل البيّن . قوله تعالى: (ولا تقربوا الزنا). هل بعد هذا النص يأتي عالم أو دكتور أو داعية فيقول ” يُستحب الزنا لمن خشي الشذوذ، لأن “الضرورات تبيح المحظورات” و(لا يكلف الله نفساً إلا وسعها)!! ” . الشاهد من هذا المثال، أنه ليست كل النصوص حمالة أوجه، فكما يوجد نصوص تحتاج إلى علماء كبار لفهمها وفق مراد الله ورسوله، يوجد نصوص -كذاك النص- واضح بلسان عربي مبين. والنتيجة: ليست كل الأحكام ظنية. فهل يظن أحد بحرمة الزنا؟
    أما الدليل على أن حكماً ما إذا كان ظنياً – مختلفاً فيه- فإن الحق مع فريق من هؤلاء العلماء المتباينة أقوالهم، وليس مع جميعهم كلهم، فهو : كان الصحابة يختلفون في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولكي يحسموا الأمر، كانوا يرجعون إلى رسول الله فيسألونه فيفتي لهم ويحسم القضية. السؤال: لماذا لم يعنّفهم النبي على اختلافهم، بل استقبلهم و حصر الحق في أحد
    الآراء؟، لماذا يجيبهم الرسول بجواب واحد ولا يتركهم مختلفين، لأن “الاختلاف دليل على عظمة الإسلام” -كما قد يقال- ؟!. وإذا قيل “ولكن بعد وفاة الرسول، لا يمكن الرجوع إليه، فلا بد من الاختلاف”
    أقول إن وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، لا تعني ضياع الدين أو الفوضى الدينية، بل ما توفي صلى الله عليه وسلم إلا بعد أن كمُل الدين. قال تعالى: (اليَومَ أَكملتُ لَكم دينكُم وَأتمَمتُ عَليكُم نِعمَتي وَرَضيتُ لكُمُ الإِسلامَ دينًا). فصار الرجوع عند التنازع والاختلاف إلى القرآن والسنة. قال تعالى مخاطباً المؤمنين:
    (فإِن تَنَازَعتُم فِي شَيء فردُّوهُ إِلى الله والرَّسُول إِن كُنتُم تُؤمنُونَ بِالله واليَوْم الآخر ذلكَ خَيرٌ وأَحسَنُ تأوِيلا). ولم يقل عز وجل “إن تنازعتم في شيء فهو من اختلاف الرحمة فأفهامك البشرية تقتضي التنازع حتماً !”. ولا شيئاً قريباًً من هذا.
    يقول تعالى واصفاً القرآن العزيز: (لا يأتيهِ الباطِلُ مِن بين يَدَيهِ وَلا من خلفهِ تنزيلٌ من حكيم حميد). فلماذا يمن الله علينا بكتاب (لا يأتيه الباطل) إذا كان يعلم سبحانه أننا سنفهمه فهماً ظنياً متبايناً وليس قطعياً واحداً؟ -وفق نظرة المقال-

    بالنسبة لقضية الإجماع، فلا شك أنه ملزم للمسلمين. قال تعالى (وَمَن يُشاقِق الرَّسُولَ مِن بَعدِ ما تبيَّنَ لهُ الهُدى ويتَّبِع غَيرَ سَبيل المُؤْمنينَ نولهِ ما تَولى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا)
    وقوله صلى الله عليه وسلم: (تكون دعاة على أبواب جهنم ، من أجابهم إليها قذفوه فيها ، هم قوم من جلدتنا ، يتكلمون بألسنتنا ، فالزم جماعة المسلمين وإمامهم ، فإن لم تكن جماعة ولا إمام فاعتزل تلك الفرق كلها ، ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت كذلك).
    [صحيح الجامع 2994]. قال الإمام الشافعي : “وأمرُ رسول الله صلى الله عليه وسلم بلزوم جماعة المسلمين مما يحتج به من أنّ إجماع المسلمين – إن شاء الله – لازمٌ ” [أي، ملزِم].

    والقول بأن ” القضية ليست بوقوع الإجماع فقط، فأولاً القضايا المجمع عليها هي أصلاً قضايا قليلة مقارنة بالقضايا الخلافية”:
    فهو غير مرتبط بالنقاش، فالحديث هو عن حجية الإجماع وليس عن حجمه بالنسبة للقضايا الخلافية. كما أن كثرة القضايا الخلافية لا تقدح بحجية الإجماع.
    والقول بأن “وقوع الإجماع أولاً هو أمر ظني، فما يدريك أن أحد العلماء خالف ذلك الرأي ولم يسمعه القائل بالإجماع؟ وبالتالي الأولى القول (لم أسمع أحداً قال بغير ذلك). “:
    فيجب التفريق بين الإجماع المحكي (كأن يقول عالم ما : “أجمعوا على كذا”) و إجماع الصحابة وإجماع الفقهاء في عصر ما. وكذلك يقسم الإجماع إلى ظني وقطعي: فالقطعي هو “الذي يعلم وقوعه من الأمة بالضرورة، يعني الذي نجزم بأن الأمة أجمعت عليه، مثل الإجماع على وجوب الصلوات الخمس، والإجماع على وجوب الصيام والزكاة والحج، وتحريم الزنا وتحريم الربا.” والإجماع الظني “هو الذي لا يجزم بوقوعه ولكنه يُعلم بالتتبع والاستقراء، مثل الإجماعات التي [ينقلها] ابن عبد البر وابن المنذر وابن قدامة وابن تيمية وغيرهم، هذا إجماع بعد تتبع أقوال العلماء، فإذا لم يجد أحدا خالف، نـُـقل الإجماع.” أما إجماع الصحابة فهو قطعي لا تحل مخالفته، وإجماع فقهاء عصر ما ملزم لمسلمي عصرهم، ويجدر التنبيه أن الإجماع لابد أن يكون مدعماً بدليل من الكتاب والسنة وإلا فلا يسمى إجماعاً. أما أن يــُـظن أنه ممكن أن ينعقد إجماعٌ في عصرنا فذلك متعذر جداً.
    و بوجود المخالف -الذي يكون عالماً تقياً ومعه دليل، وليس أي أحد- لا ينعقد الإجماع البتة.
    لذا فإن الإجماع الظني يجب الأخذ به -وخاصة أنه مدعم بأدلة من الكتاب والسنة-، فلا يَقدحُ في الأخذ به عدمُ علمنا بوجود المخالف له.

    قال رسول الله (إن أمتي لن تجتمع على ضلالة، فإذا رأيتم اختلافاً فعليكم بالسواد الأعظم)
    صححه السيوطي “الجامع الصغير 2221″

    وإذا كان الإجماع الظني لا يؤخذ به، فوجب علينا رد الكثير من الأحاديث الصحيحة في صحيح البخاري والمسلم، لأن قواعد أهل الحديث في التصحيح والتضعيف لا تعدو كونها إجماعات ظنية -أي لا يُعلم لها مخالف، مع إمكانية وجوده واحتمال عدم وصول قوله المخالف إلى البخاري ومسلم- وهذا غير وارد، لأن أمة محمد صلى الله عليه وسلم تلقت هذين الكتابين بالقبول وعملت بهما ولا يمكن أن تكون كل الأمة على ضلالة منذ عصرهما إلى عصرنا هذا!
    
    وعن مُعَاوية بن أبِي سفيانَ رضي الله عنهما أَنَّهُ قَالَ : ( ألا إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَليْه وَسَلمَ قامَ فينَا فَقَالَ : ألا إِنَّ مَنْ قبلَكمْ منْ أهل الكتابِ افترقوا على ثنتين وَسَبْعينَ ملة ، وَإِنَّ هَذِهِ الملة سَتفتَرقُ عَلى ثلاث وَسَبْعِينَ ، ثنتان وَسَبْعُونَ فِي النَّار ، وَوَاحِدة في الجَنةِ ، وهي الجَمَاعة ) -في النار، أي تدخل الجنة بعد أن تعاقَب في النار على معاصيها وضلالها-
    رواه أبو داود ( 4597 ) وغيره وصححه الحاكم ( 1 / 128 ) بل قال : إنه حديث كبير في الأصول ، وحسنه ابن حجر في ” تخريج الكشاف ” ( 63 ) ، وصححه ابن تيمية في ” مجموع الفتاوى ” ( 3 / 345 ) ، والشاطبي في ” الاعتصام ” ( 1 / 430 ) ، والعراقي في ” تخريج الإحياء ” ( 3 / 199 ) وتوارد على ذكره والاستشهاد به أهل العلم في كتب السنة ، وقد ورد عن جماعة من الصحابة بطرق كثيرة ، أكثرها وأصحها على تحديد عدد الفرق بثلاث وسبعين فرقة . فقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم الفرقة الناجية بأنها الجماعة ، يعني إجماع علماء المسلمين ، كما وصفها في روايات أخرى للحديث بأنهم ( السواد الأعظم ) كما في حديث أبي أمامة وغيره عند ابن أبي عاصم في ” السنَّة ” ( 1 / 34 ) والطبراني في ” المعجم الكبير ” ( 8 / 321 ) بإسناد حسن لغيره .

    وقال صلى الله عليه وسلم ” لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين…” أخرجه مسلم

    والقول ” لو فرضنا وقوع إجماع في عصر ما، هل يجعل ذلك الحكم أبدياً؟ أم أن انتفاء الإجماع في عصر تال يمكن أن ينسخ ذلك الموضوع؟ والرأي الثاني أقرب للعقل والمنطق والواقع من الأول، لأن الواقع والبيئة يتباينان بشكل كبير عبر الزمن، والعقل البشري بطبيعته يتطور.”:
    كلام حسن جيد، أي أن إجماع عصر من العصور -وليس عصر السلف الصالح- ليس ملزماً لعصر آخر إذا وُجد إجماع آخر يناقضه، فقد يكون إجماعاً في مسألة اجتهادية تختلف باختلاف الحال والزمان. ولكن يكون هذا بأدلة من الوحيين وليس بأدلة العقل والمنطق. فمثلاً بعقل ومنطق النصارى أُجمع أن الله هو المسيح ابن مريم -تعالى الله عن ذلك- ولكن هذا ليس له دليل من القرآن والسنة فهو مرفوض. أما إذا قيل “ولكن القرآن والسنة قبلنا بهما بالعقل والمنطق” يقال: “إذن فليس لك بعدها أن تعرضهما على عقلك فما وافقه فبها ونعمت، وإلا ترفضه!” وإذا قيل: “نحن لا نرفضها كنص ولكن نرفض فهم بعضهم له” فنرجع إلى الكلام السابق؛ بالأخذ بفهم الصحابة والتابعين والأئمة الكبار وجماعة المسلمين وصالحيهم.

    وقول “وبعض القضايا التي أشرت إليها وقلت بأنها مجمع عليها هي قضايا خلافية في عصرنا. فمحمد الغزالي مثلاً لا يرى بقتل المرتد الذي لم يقتنع بالدين، وهو يفرق بينه وبين المرتد خيانةً للوطن.”:
    فأقول: محمد الغزالي رحمه الله ليس عالماً ولا فقيهاً مجتهداً -مع كامل الاحترام والتقدير له والدعاء له بالمغفرة- والإجماع على قتل المرتد هو إجماع للصحابة وهو إجماع قطعي عليه دليل من السنة النبوية لا يحل لأحد رده أو تأويله، وقد عـُـمل به في عصر الرسول والصحابة من بعده وهكذا في كل عصور المسلمين، إلى أن بدأت حديثاً التبعية للغرب وبدأ وقف العمل بها بدعوى التحرر والتحضر ونبذ الرجعية ، والله المستعان. ثم إن اشتراط “خيانة الوطن” لقتل المرتد ليس له مستند شرعي لا من القرآن ولا السنة ولا الصحابة ولا أقوال الأئمة ولا الفقهاء ولا غير هذا، فلماذا ننبذ كل هذه الأقوال ونأخذ بشرط “خيانة الوطن” المستحدث الذي ما أنزل الله به من سلطان؟ قال تعالى ( أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن بِه الله).
    كما ينبغي التنبيه لمسألة ضرورية، وهي أنه على الرغم من وجود اختلافات فقهية بين العلماء المعتبرين -مع التيقن بأن الحق مع أحدهم-، فلا يحق للمجتهد الذي يأتي في العصور المتأخرة أن يستحدث قولاً جديداً في عين المسألة المختلف عليها، فمثلاً اختلف الفقهاء على مر العصور على وجوب أم استحباب تغطية وجه المرأة، وكلٌ يدلي بدوله بالآيات والأحاديث، وبالتالي فلا يحق لمجتهد أن يأتي ويقول “عندي أدلة على أنه مباح -أو مكروه-“. فإن هذا القول لم يسبقه إليه أحد من العالمين، بل فيه طعن بعلم الأمم الغابرة بأنها ضلت الفهم عن الله ورسوله، فتأمل!

    وقول” وبعض العلماء في الواقع الغربي (مثل طارق رمضان) لا يرون بقتل من سب الرسول صلى الله عليه وسلم، وهم ينطلقون من واقع وتحديات يعيشونها تختلف تماما عن الواقع الذي نعيشه في المشرق.”:
    أقول: مما جاء في الويكبيديا، “تلقى طارق رمضان تعليمه الأول في مدارس جنيف الفرنسية، وجامعتها حتى حصل على الماجستير والدكتوراة في الفلسفة والأدب الفرنسي، وخلال مراحل دراساته العليا بدأ العمل في تدريس الأدب الفرنسي بمدارس جنيف لعدة سنوات. وخلال تلك الفترة عمل عميدا لمؤسسة ثانوية عليا وهو في الخامسة والعشرين من عمره؛ ولأنه كان ذا اهتمام خاص بالدراسات الإسلامية فقد سافر عام 1992 إلى مصر لمتابعة دراساته الإسلامية لمدة عام.” ا.هـ.
    ولذلك لا أعتقد أنه يصح إطلاق لفظة “بعض العلماء” على الدكتور طارق. وعلى فرض صحتها، فكما قلنا ليس كل معترض يُعتبر مخالفاً شرعياً صحيحاً، فلا بد أن يستدل بدليل على مخالفته للإجماع وللنص من الحديث النبوي، لأن الله تعالى قال (قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين)، وإلا فلا يعتبر مخالفاً حقيقةً. بالإضافة إلى أن هذا الإجماع هو إجماع قطعي عمل به الصحابة في عصرهم واستدلوا بالحديث الصحيح (من بدل دينه فاقتلوه) [صحيح البخاري6922]، طبعاً هذا له ضوابطه، بأن لا يكون جاهلاً أو مخطئاً أو مجنوناً ، وأن يُستتاب ثلاثاً وغيرها من الضوابط الكثيرة المعروفة عند أهل الفقه، أما وقف الحكم هكذا بإطلاق من دون دليل فهو مما يُستغرب، وخاصة بدون أدلة ، أو حتى أشباه أدلة.

    وقول “وهو (أي طارق رمضان) صاحب دعوة إلى وقف تطبيق الحدود في الدول التي تطبق الحدود مع فتح حوار حول ذلك (لأكثر من سبب، أولها أن تلك الدول تطبق الحدود بطريقة لا تحقق أهداف الحدود، فهي تطبق على الفقراء فقط، وثانياً، هو يسأل، هل هنالك شروط ثقافية واجتماعية معينة لتطبيق تلك الحدود، وهل هذه الشروط موجود في عصرنا؟)”:

    أقول: ما الشرط الثقافي والاجتماعي على جلد الزاني إذا زنا؟ فهل إذا كان محاطاً بنساء فاتنات لا يُجلد بحجة أنه لن يتحمل الصبر على وجودهن فوقع في الفاحشة سهواً؟ ولماذا نفترض وجود شروط إضافية غير التي نص عليها الفقهاء؟ بل إن هذا يُعد اتهاماً للدين بالنقص أو الغموض أو اتهاماً لفهم الأقدمين الذين حصروا الشروط اللازمة لإقامة الحد دون أن يقولوا ”
    وهناك شروط أخرى يجب مراعاتها قبل جلد الزاني وهي تتغير بتغير الزمان” !
    وأما أنها تُطبق على الفقراء فقط في بعض الدول، فهذا ليس حجة لـ ” تعطيلها عن الجميع فإما أن تُطبق على الجميع وإما لا تُطبق أبداً ” ، هذا مالم يقله أحد من المتقدمين ولا المتأخرين، بل على الداعية أن يأمر تلك الدول بأن تتقي الله في عباد الله وتعدل في إقامة الحدود كما أمر الله. بل إن هذه الدعوى تفتح أبواباً لا يمكن إغلاقها، فمثلاً، من قائل بأن “على كل النساء خلع الحجاب لأن بعضهن -من المسلمات- لا ترتدينه، فيجب العدل في هذا!” إلى قائل بأنه ” يُسمح بالزنا للجميع لأن حد الجلد يطال الفقراء فقط وهذا ظلم!”، أو ” تصح إمامة المرأة للرجال في الصلاة لأن الله كرم المرأة وساوى بينهما!” وغيرها من الأمثلة التي لا حصر لها والتي تصادم الشريعة وأقوال الفقهاء مصادمة كبيرة.

    وقولك لي: “وقولك بأن صوت المرأة ليس بعورة هو التفسير الذي تتبعه أنت وفق المدرسة التي تنتسب إليها، وهنالك من يرى بأنه عورة. ويحق لي أن أنظر وأقيم هذه الأدلة في ضوء الشعارات التي يرفعها الإسلام ذاته.”:

    الآية التي أوردتها في حرمة تكسير المرأة صوتها أمام الرجال، آية واضحة، وقول “صوت المرأة عورة” يُـقصد به أن أي كلام من النساء يحرم على الرجال سماعه، وهذا مخالف مخالفة صريحة للقرآن ، قال تعالى (قد سَمعَ اللهُ قولَ التي تجَادِلكَ في زَوجهَا وتشتكي إلى اللَّهِ) ، والسنة: (أن امرأة من الأنصار ، قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله ، ألا أجعل لك شيئا تقعد عليه ، فإن لي غلاما نجارا) [صحيح البخاري 2095]، أما القول بأن “هناك من يرى بأنه عورة” فليس كل خلاف هو خلاف معتبر، فالذين يختلفون على وجوب الصلاة لا اعتبار لخلافهم، وكذلك فإن الذي يرى أنه عورة، فعليه بدليل من الكتاب والسنة، وإلا فمن هذا الذي يرمي الأدلة من الكتاب والسنة وقول السلف الصالح وراء ظهره، ثم يأخذ بقول فلان من الناس مهما علا صيته؟ (أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير). والله المستعان.
    وبالتالي لا صحة في قول “صوت المرأة ليس بعورة هو التفسير الذي تتبعه أنت وفق المدرسة التي تنتسب إليها”. طالما أن الدليل الذي جئت به هو من القرآن والسنة وليس رأياً لمدرسة فقهية. الذي يُعتبر رأياً لـ “مدرسة” فقهية مثلاً الاختلاف هل في القرآن مجاز أو لا، أو مثلاً أيهما يستدل به على البديهيات العقل أم الفطرة. وغير ذلك من المسائل التي يسع فيها النقاش والتحاور ونقد رأي المخالف، طالما لا يوجد نص صريح فيه. أما أن يأتي أحد ويقول مثلاً “صيام رمضان واجب وليس مستحبا”، فيرد عليه آخر “ولكن هذا رأي مدرستك الفقهية وليس ملزماً لي”، فهذا لا يصح بحال.

    وقبل أن أختم أُحب أن أنوه إلى قضية أن البعض يأتي بشعارات عن الإسلام ليست صحيحة بإطلاق، ثم يجعلها حكـَـماً على الأحكام الفقهية المجمع عليها أو المعتبرة عند الفقهاء. فمثلاً شعار يقول “الإسلام ساوى بين الرجل والمرأة”. فهل هذا صحيح بإطلاق؟ إن كان كذلك فما قولهم بـعدم جواز إمامة المرأة للرجال وجوازها للرجل، وعدم صحة زواج المرأة دون موافقة وليها وجوازه للرجل، ووجوب الحجاب للمرأة وعدم وجوبه للرجل، وعدم جواز سفرها بلا محرم وعدم وجوبه للرجل، وقوامة الرجال على النساء، و(للذكر مثل حظ الانثيين)، ووجوب طاعة المرأة لزوجها وعدم وجوبه للرجل، وغيرها من الأحكام المعلومة من الدين بالاتفاق. يقول تعالى ( وللرِّجال عليهنَّ درجة ) . (وليس الذكر كالأنثى).. “وليس يعني هذا تمييز الرجل في كل الأمور ، فقد جاءت الوصية بالأم ثلاثة أضعاف الوصية بالأب – مثلاً – كما جاء في الحديث المتفق عليه عن أبي هُريْرةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ
    عليْهِ وَسَلمَ فقالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أحقُّ النَّاس بحسْن صحَابتي قالَ : ( أمّكَ قالَ ثُمَّ مَنْ قالَ ثمَّ أمكَ قَالَ ثمَّ مَنْ قالَ ثمَّ أمُّكَ قالَ ثمَّ مَنْ قالَ ثُمَّ أَبُوكَ ) ، وقد قدَّم الله تعالى الإناث في بعض المواضع مثل قوله تعالى : ( يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذكُورَ ) الشورى / 49 .” … “فمحاولة استواء المرأة مع الرجل في جميع نواحي الحياة : لا يمكن أن تتحقق ؛ لأن
    الفوارق بين النوعين كوناً وقدراً أولاً ، وشرعاً منزّلاً ثانياً ؛ تمنع من ذلك منعاً باتّاً .
    ولقوة الفوارق الكونية والقدرية والشرعية بين الذكر والأنثى : صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لعن المتشبه من النوعين بالآخر .
    ولا شك أن سبب هذا اللعن هو محاولة من أراد التشبه منهم بالآخر ، لتحطيم هذه الفوارق التي لا يمكن أن تتحطم .
    وقد ثبت في صحيح البخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال : ( لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المشتبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال )” ” لقاءات الباب المفتوح ” ( 212 /المقدمة ) .

    وأيضاً البعض قد يرى -وفق فهمه هو وعقله- جواز الاستعانة برسول الله صلى الله عليه وسلم على تفريج الكربات وتيسير الأرزاق، بأن يقول – يا محمد، فرج لي همي وكربي وارزقني- مستدلاً بقوله صلى الله عليه وسلم:
    (إن الشمس تدنو ، حتى يبلغ العرق نصف الأذن ، فبينما هم كذلك استغاثوا بآدم ، فيقول : لست صاحب ذلك ، ثم بموسى ، فيقول كذلك ، ثم بمحمد ، فيشفع بين الخلق) [السلسلة الصحيحة 2460]، وهذا بين البطلان، فإن الطلب من النبي فيما يقدر عليه وفيما أعطاه الله من الشفاعة يوم القيامة، ليس كالاستغاثة به عند مماته فيما لا يقدر عليه إلا الله تعالى حتى في حال حياته صلى الله عليه وسلم، من قضاء الحوائج وتفريج الكربات وتيسير الرزق
    . وإذا صحت مقابلة كلمة “مدارس” فقهية بمعنى “مذاهب”، فإن كل مذهب عنده بعض الحق والمذهب الآخر عنده بعض آخر، يستعان على فهمه من خلال فهم العلماء المحققين للمذهب والعلماء المجتهدين والمشهود لهم بالتقى ومتابعة سنة النبي، أما أن يُظن أن كلها أصابت الحق رغم تناقض بعض فتاواها، فهذا باطل عقلاً ونقلاً.

    وكذلك القول بأن ” كلمة دليل أصلاً كلمة عميقة وتختلف حسب المدرسة التي تنتسب إليها، فما يكون دليلاً بالنسبة لك قد لا يكون دليلاً بالنسبة لي”:
    فيـُـرجع إلى أول المشاركة ليُعلم مدى صحته. فهناك دليل قطعي لوجوب الصلاة: (وَأقيمُوا الصَّلاة) ، و هناك دليل مختلف فيه أهو على وجوب أو استحباب تغطية الوجه -النقاب وليس الإشارب- :(يا أَيهَا النَّبِيُّ قل لأزوَاجكَ وَبَنَاتِكَ ونسَاءِ المُؤمنِينَ يُدْنينَ عَليهنَّ منْ جَلابيبهِنَّ) ، مع التيقن أن الحق عند الله واحد والمجتهد بين الأجر والأجرين. ومع علم أن هذا الاختلاف
    بين الفقهاء إذا كان متقدماً -في العصور السابقة- فلا يجوز إحداث قول ثالث معاصر يقول بالكراهية أو الإباحة -للنقاب مثلاً-. فوجب التفريق بين النوعين من الأدلة وعدم جعلهما شيئاً واحداً. فهذا حكمُ -تغطية الوجه- ليس له علاقة بالزمان والمكان والحال.

    بارك الله فيكم و هدانا وإياكم لما اختلفنا فيه من الحق بإذنه، إنه على كل شيء قدير
    أشكر لكم حلمكم علي.

    ملاحظة إلى الأخ عبد الرحمن، في المشاركة السابقة أوردتُ سبعة أسئلة، أجبتني -مشكوراً- عن بعضها كقضية الإجماع وماذا نفعل إذا أمرنا الله بقتل أنفسنا، وبعض الأحكام كقتل المرتد.
    وأتمنى أن تكمل بقيتها، فإن إجابتك لها هامة بالنسبة لي.

    والسلام عليكم

    1. وعليكم أطيب السلام ورحمة الله أخي هادي.
      أولاً أود أن اشكرك على هذا المجهود الكبيييييييييير في الكتابة، وسواء اتفقنا أو اختلفنا فأنا مقدر جداً لما قمت به واسأل الله أن يجعلنا من المتحابين فيه ويجمعنا في ظله يوم لا ظل إلا ظله.

      وحتى نكون منطقيين 🙂 فإن ردي عليك بمثل هذا الطول لهو أمر عسير بالنسبة لي.
      لازلت أرى أن ما تفضلت به هو وجهة نظرك الخاصة. وأخالفك الرأي 🙂 (والخلاف لا يفسد للود قضية).
      ولذلك سأقوم بتحويلك للشيخ القرضاوي حفظه الله، اعتقد أن هذه المقالة ومثيلاتها مليئة بالأدلة التي تتعلق بموضوعنا:

      http://www.qaradawi.net/site/topics/article.asp?cu_no=2&item_no=34&version=1&template_id=105&parent_id=16
      وسأتمم الإجابة على بقية اسئلتك قريباً.

      1. وكذلك أسأل الله أن يجعلنا من الصالحين المهتدين، إنه ولي المؤمنين.

        ليس من الضروري أن يكون الرد بنفس الطول، فمن الممكن الرد على المحاور الأساسية بشكل مختصر، وصدقني لم أتعمد الإطالة بمشاركتي إلا لأن الإجابة عن بعض الأسئلة دون بعض هو ما دفعني للإطالة في المشاركة حتى يكون قصدي واضحاً لك وللجميع – بإذن الله -. ومع ذلك مازلت مختلفاً مع في الرأي، فحبذا -ولو بأسلوب مختصر إذا أردت- أن تحدد لي نقطة الاختلاف في الرأي، لأن في مشاركتي أكثرُ من محور.
        وبإذن الله سأقرأ مقال الشيخ القرضاوي، وسأحاول أن تكون مشاركتي التالية بعد قرائتي للمقالة المشار إليها.
        بانتظار مشاركتك .

        والسلام عليكم ورحمة الله.

    2. أخي الكريم…
      المشكلة الأساسية أنك تعرض الآيات وتفسيرها وكأنه التفسير الوحيد، وهنا يكمن الخلاف. كل ما ذكرته أنت لايعدو عن كونه وجهة النظر الخاصة بك وبالمدرسة التي تتبعها، ولن استعرض كل تفصيلة وسأكتفي بذكر الخطوط العريضة ومثالاً أو مثالين.

      مثلاً، آية (ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم). وهل يعني الاختلاف هنا اي اختلاف؟
      قال عكرمة : ( مختلفين ) في الهدى . وقال الحسن البصري : ( مختلفين ) في الرزق ، يسخر بعضهم بعضا.
      وقال عطاء : ( ولا يزالون مختلفين ) يعني : اليهود والنصارى والمجوس ( إلا من رحم ربك ) يعني : الحنيفية .
      وقال قتادة : أهل رحمة الله أهل الجماعة ، وإن تفرقت ديارهم وأبدانهم ، وأهل معصيته أهل فرقة ، وإن اجتمعت ديارهم وأبدانهم .
      ولم يقل أحد بأن الاختلاف هنا هو الاختلاف الفقهي!

      وقمت أنت بتفسير (لذلك خلقهم) بأنها عائدة على الأختلاف، وهذا التفسير أيضاً مختلف فيه. هذه وجهة نظرك والمدرسة التي تتبع أنت لها.
      وعن مالك : ( ولذلك خلقهم ) قال : للرحمة ، وقال قوم : للاختلاف .

      وهذا مجرد مثال على آية واحدة، وجميع الآيات التي ذكرتها كهذه الآية. وما ذكرته أنت لا يعدو عن كونه التفسير الذي تراه أنت.

      وقضية هل الحق واحد أم من الممكن أن يتعدد قضية أيضاً خلافية، هنالك من قال بأنه واحد وهنالك من قال بأنه يتعدد وإذا راجعت المقال سترى ذكر ذلك.

      ويحق لك ألا تعتبر محمد الغزالي فقيهاً وهذا رأيك واحترمه، وأنا اعتبره من الفقهاء (والقرضاوي أيضاً يعتبره كذلك)، والقرضاوي يقول أيضاً برأي محمد الغزالي في حكم المرتد.

      وأنا شخصياً أتبع مدرسة فقه المقاصد، وبالتالي الطريقة التي قمت بسرد الآيات وتفسيراتها (بالرغم من أنني حتى هذه التفسيرات لا أوافقك عليها ولكنها وجهة نظرك واحترمها) لا تكفي لتشكيل دليل بالنسبة لدي. ولن أخوض في تفاصيل ذلك وبإمكانك قراءة أي كتاب في فقه المقاصد أو حضور بعض المحاضرات أمثال المفكر المغربي “المقرئ أبو زيد الإدريسي” وسترى أدلة ذلك.
      يحق لك ألا تقتنع بفقه المقاصد، ولكنه يبقى رأيك الشخصي. أحترمه ولكنه لا يلزمني.

      وبالنسبة لقاعدة “سد الذرائع” فالجواب في سؤالك نفسه، بعض الفقهاء يراها دليلا مستقلاً، وبعضهم يراها تبعا للقياس والاستحسان، وغيرهم يراه غير ذلك. كل بحسب تفسيره ومدرسته. فليست المشكلة بوجود “سد الذرائع” وإنما بطريقة استخدامها ضمن الإطار الفقهي الخاص بكل مدرسة.

      ولم أسلم بفكرة الصلاة لمجرد أن العلماء قالو ذلك، بل سلمت بعد ان اقتنعت بدليلها، وهي وبقية الأركان لا تعاني من مشاكل منطقية أصلاً.

      وجزاك الله خيراً مرة ثانية.

      السلام عليكم ورحمة الله

  12. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

    حتى لا يتشعب الخلاف، ائذن لي أن أعيد عرض الأفكار على شكل أسئلة، بحيث إذا اتفقنا على فكرة فلا نعيد طرحها، وإذا اختلفنا في فكرة فنتحاورها حتى ننتهي منها، ثم ننتقل إلى ما بعدها، حتى لا نبحر بعيداً. فلقد أجبتني عن بعض الأفكار مشكوراً ، بقي أن نتمها.

    يمكنك بالطبع أن تستفسر مني على معنى سؤال معين إذا كان غامضاً قبل أن تجيب، بقول “ماذا تقصدك بقولك كذا؟”، أو “هل تقصد بهذا الشيء الفكرة الفلانية؟”، حتى تكون الإجابة على بينة. كما يمكنك أن تسألني إن شئت كنوع من المناظرة بين طرفين –والتي لا تفسد للود قضية-، فأجيبك أو أقول لا أعلم.
    ولقد جعلتُ المشاركة على جزءين، الجزء الأول يحوي التعليق على آخر مشاركة، والجزء الثاني فيه الأسئلة، وذلك لكي لا يطول عليك الأمر يمكنك البدء بأحدهما ثم الرجوع للجزء الآخر في وقت لاحق،
    أسأل الله أن يكون هذا التباحث في سبيل الوصول إلى الحق.
    ———————————————————————————————————————————-
    الجزء الأول – التعليق

    لـمْ أحاول عند عرض الآيات أن أدعي التفسير الأوحد كما تقول، وبما أنك بيـّنت أن مدرستي تفسر علة الخلق بـ (الاختلاف)، وأن هذا التفسير ليس الأوحد، فكان حرياً بك أن تبين لي تفسيرك –وفق مدرستك وفهمك- من غير أن تعرض لي كل ما قيل في تفسير الآية دون أن ترجح واحداً –وفق مدرستك أو فهمك-.
    أما أنه “لم يقل أحد بأنه الاختلاف الفقهي” ، فإن ابن كثير رحمه الله عدد مواضع الاختلاف وذكر منها المذاهب والأراء، بالإضافة للدين والمعتقد، يقول ابن كثير:
    “وقوله: { ولا يزالونَ مختلفين إِلا من رحم ربك } أي: ولا يزال الخلفُ بين الناس في أديانهم واعتقادات مللهم ونحلهم ومذاهبهم وآرائهم.” ا.هـ [تفسير القرآن العظيم 235].
    ولكن الشاهد الأهم من الآية كان قوله تعالى “إلا من رحم ربك” أي ليس كل المختلفين على حق، إلا فئة منهم هم على الصواب، وهم من اختصهم الله برحمته. نعم، كانت الآية تتحدث بالتحديد عن المؤمنين والكافرين، فيقول تعالى (وتمت كلمة ربك لأملأنّ جهنّم من الجِنة والناس أَجمعين)، ولكن العبرة كما يقول الأصوليون بـ “عموم اللفظ لا بخصوص السبب” ، فهل اختلاف الأديان مذموم واختلاف الأحكام الفقهية محمود، بأن يكون الشيء حراماً وحلالاً في الحالة الواحدة، والكل مأجورون على اجتهادهم؟ . ومع ذلك سأدع هذا الاستدلال كأن لم يكن. ولنناقش باقي الاستدلالات، فهي مازلات معلقة.
    كما ينبغي معرفة أن الاختلاف نوعين: اختلافُ تنوعٍ غيرُ متعارض، واختلافُ متناقضٌ. فأما الأول فكتب التفسير المشهورة تطفح به، كتفسير ابن كثير والطبري والسعدي والبغوي والقرطبي والسيوطي والشوكاني وغيرهم، وكمثال عليه: “قوله تعالى: (فرّت من قسورة) ، فكلمة قسورة قيل هو الأسد، وقيل هو الرامي، وقيل الصائد ، وكلها معانٍ محتملة للفظ الواحد. ومثال آخر قوله تعالى: (يوم تمور السماء موراً) جاء في تفسيرها : تتحرك تحريكاً، وتدور دوراً، وموج بعضها في بعض ،وهذه الألفاظ كلها مقاربة لمعنى المور وهو الجريان السريع ، وقد يظن البعض أن هذا اختلاف وليس هو اختلاف حقيقي كما هو ظاهر.” للاستزادة في اختلاف التفسير يُنظر: [الاختلاف في التفسير حقيقته وأسبابه، للدكتور وسيم فتح الله]

    وكذلك قولك أن منهم من فسر علة الخلق بأنها (للاختلاف) ومنهم من قال (للرحمة)، فلا تناقض في هذا، إذ يجوز الجمع بينهما، فصار قوله تعالى: (ولا يزالونَ مختلفين . إِلا من رحم ربك ولذلك خلقهم). معناه: أن الله خلقنا لنختلف ثم ليرحم منا من استمسك بالحق. فصار تفسير العلة بـ (الاختلاف) صحيح بمعنى أن الله خلقنا لنختلف -قدراً-، وتفسير العلة بـ (الرحمة) صحيح بمعنى أن الله قدّر لنا الاختلاف (وهو العلة الأولى من الخلق) لكي يرحم منا من هو على الصراط المستقيم (ورحمةُ الباحثين على الحق هي العلة من خلقهم مختلفين)، وبذلك فهو نوع من اختلاف التنوع ، ولا يجب توهم التعارض هنا. أي، نجمع بين الأقوال الصحيحة التي ظاهرها التعارض للوصول إلى التفسير الصحيح ولا تُضرب التفاسير المأثورة ببعضها. أما النوع الثاني من الاختلاف، ألا وهو المتناقض ظاهراً وباطناً، فهو موجود في تفاسير أهل الأهواء والبدع.
    “ولعل أوضح مثال على هذا النوع من الاختلاف ما زعم الباطنية من أنه تفسير لبعض ألفاظ القرآن الكريم ذات الدلالة الظاهرة المحكمة في الأصل، فهم يقولون :” إن (الكعبة) هي النبي صلى الله عليه وسلم، و(الباب) علي، و(الصفا) هو النبي صلى الله عليه وسلم، و(المروة) علي، و(نار إبراهيم) هي غضب النمرود عليه، و(عصا موسى) هي حجته” [الاختلاف في التفسير حقيقته وأسبابه، للدكتور وسيم فتح الله].

    أما مسألة أن “الحق قد يتعدد وهناك من قال بهذا”، فيبدو أنه هناك خطأ حاصل، لأن الاحتجاج بأن هناك من قال بقول مخالف لا يعد حجة حتى يكون الخلاف معتبراً، لأنك لن تعدم أن تجد مخالفاً في مسألة من المسائل، ولكن الحجة هي قول الله ورسوله والإجماع والقياس الصحيح، فلقد ”
    استدل القائلون بأن الحق واحد، وهم الأئمة الأربعة وعامة الأصوليين من أهل السنة بأدلة :
    أما الكتاب قوله تعالى (وداود وسليمان إذ يحكمان فى الحرث إذ نفثت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين ففهمناها سليمان، وكلا آتينا حكما وعلما) سورة الأنبياء: 78
    وجه الدلالة: أنه تعالى خص سليمان بالفهم فى قوله ففهمناها سليمان، ومنَّ عليه، وكمال المنة فى إصابة الحق، فلو كانا مصيبين لما كان لتخصيص سليمان بالفهم فائدة، ولا مانع من القول، بمفهوم المخالفة فى هذا الموضع عند الحنفية، وواضح أنهما حكما بالاجتهاد لأنه لو كان حكم داود بالنص لما وسع سليمان مخالفته ولما جاز رجوع داود عنه.

    وقوله تعالى (وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله) . وقد وقع بين الصحابة خلاف أوقع بينهم قتلاً وقتالاً فكيف يكون كلاهما مصيب؟
    وذُكرت قصة قتل الأسرى، وقوله -صلى الله عليه وسلم (اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد) [رواه البخاري] مرتين، وهو صريح في الإنكار على من خالف السنة ولو كان متأولاً مجتهداً.
    والأحاديث المتواترة في الأمر بقتال الخوارج وذمهم، وكذلك أحاديث قتال مانعي الزكاة، وكلها في الصحاح والسنن والمسانيد، والقتال أبلغ الدرجات في الإنكار، وكذا الأمر بقتال الفئة الباغية إذا ظهر بغيها رغم تأويلها حتى تفيء إلى أمر الله.

    وجميع الأدلة والآثار -وغيرها كثير- تدلنا على طريقة الصحابة -رضي الله عنهم- في الإنكار على من خالف الكتاب والسنة وعارضها بآراء الرجال.

    قال الغزالي في (الإحياء) : وكذا يـُـنكَر على من فعل فعلاً مختلفاً
    فيه خالف النص الظاهر أو الإجماع أو القياس الجلي كنكاح
    المتعة “. انتهى مُستفادا من كتاب (فقه الخلاف بين المسلمين للشيخ ياسر برهامي).

    “وسُئل الإمام مالك رحمه الله هل الحق واحد؟ فقال “سبحان الله قولان ضدان جميعا يكونان حقا؟ ما الحق إلا واحد”. و قال أبو اسحق لإسرائيني” قولهم الحق يتعدد قول أوله سفسطة و آخره زندقة”.
    لماذا آخره زندقة؟ لأننا إذا اعتقدنا أن الحق يتعدد فإننا لا نستطيع أن ننكر على المخالف، و الفقهاء كانوا و مازالوا يرد بعضهم على بعض، ويخطّئ بعضهم بعضًا، قال ابن عبد البر: (والصواب مما اخُتلف فيه وتدافع: وجه واحد، ولو كان الصواب في وجهين متدافعين ما خطّأ السلف بعضهم بعضًا في اجتهادهم وقضائهم وفتواهم، والنظر يأبى أن يكون الشيء وضده صوابًا كله). جامع بيان العلم وفضله (2/88).
    و إذا قلنا أن الحق يتعدد فإن أمر الرد إلى الله و رسوله عند الاختلاف سيصبح لا قيمة له طالما أن كل واحد سيتبع إمامه، مادام الحق يتعدد فهذا حق و هذا حق، و بهذا نكون ممن ينطبق عليهم قوله تعالى (إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء) الأنعام : .159 وقال الله عز و جل (ولا تكونوا من المشركين . من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون) الروم: 31 ـ 32
    و لو تدبرت كلام أهل العلم لعلمت أن هناك ثلاث جهات، كل جهة منفصلة عن الثانية: الحق، و مدرك الحق، و وسيلة إدراك الحق، أما الحق فهو واحد لا يتعدد، وهناك فرق بين الحق كحق، و بين مدرك الحق الذي قد يخطئ و مع ذلك يؤجر أجرا واحدا لإفراغه الجهد في طلب الحق، و هناك وسيلة إدراك الحق. و من يمثل لمسألة أن الحق يتعدد يستشهد بحادثة ” لا يصلين أحدكم العصر إلا في بني قريظة” فما الشاهد في هذه القصة؟
    أن جماعة أخذوا بمنطوق النص و قالوا سنصلي العصر في بني قريظة و لو بعد العشاء، و جماعة قالوا أن النبي عليه الصلاة و السلام كان يريد أن يستحثنا حتى نصلي العصر في وقت العصر في بني قريظة، فلما رجعوا للنبي عليه الصلاة و السلام لم يعب على أحد منهم.
    والمثال المذكور في اختلاف التنوّع وفي الاجتهاد في فهم النص.
    فإن كلا الفريقين صَلى ، وإنما الاختلاف في فهم النص ، هل هو على الحث والسرعة ، أو على تأخير الصلاة .ولما كان مَرَدّ ذلك إلى الاجتهاد في فهم النص لم يُعنِّف النبي صلى الله عليه وسلم أيّـا من الفريقين .
    إذاً هؤلاء الذين اختلفوا هم مدركو الحق، بسبب عندهم و ليس لهم علاقة بالحق ، فالحق أمر واحد فقط، ” لا يصلين أحدكم العصر إلا في بني قريظة” ليس له إلا معنى واحد، لكن أنا أفرغت جهدي في فهم كلام النبي فأداني الفهم بعد أهليتي للفهم أن آخذ بالمنطوق، و غيري أخذ بالمفهوم، و من أخذ بالمفهوم معه نصوص “إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا” النساء: 103 فلا يجوز لي أن أؤخر الصلاة عن وقتها، و الثاني قال أنا معي منطوق الحديث، فقال لن أصلي العصر إلا في بني قريظة و لو كان في غير وقته.
    و من أسَّسَ قاعدة أن الحق يتعدد بنى عليها قاعدتين خاطئتين :
    1 ـ لا إنكار في مسائل الخلاف و هذا كذب على الصحابة و على التابعين و على الأئمة المتبوعين،
    2 ـ اتخاذ زلة العلماء ديناً و تتبع رخصهم و أن ينتقي المرء من كلامهم ما يوافق هواه.
    من درس للشيخ أبي اسحق الحويني حفظه الله”

    المشكلة -عبد الرحمن- ليست فقط في الخلاف، فنحن نقره ولا ينكر وجوده إلا جاهل، ولكن المشكلة أن نقف عنده ولا نحاول معرفة المحق من المخطئ، وإلا ما فائدة التباحث في الأحكام بين العلماء وردودهم على بعضهم البعض إن كان لزاماً علينا أن نقبل بالخلاف ونقف عنده ولا نتعدى ذلك إلى توحيد المفاهيم وتصحيحها لدى بعضنا البعض، فالكل يصير يقول لكم مدرستكم ولي مدرستي، فتفترق الأمة أكثر مما هي عليه الآن، وهذا ما لا يخفى على أحد ؟!

    هل نتفق على فهم هؤلاء الكرام كمرجعٍ إذا اختلفنا في الفهم، ألا وهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لا سيما الخلفاء الراشدون الأربعة (أبو بكر وعمر وعثمان وعلي) ، ثم كبار علماء الصحابة كابن مسعود ومعاذ بن جبل وابن عباس وأبي موسى الأشعري ، وعبادة بن الصامت وأبي الدرداء ، وأبي هريرة وابن عمر وابن عمرو وابن الزبير وأبي سعيد وأنس بن مالك رضي الله عنهم أجمعين .
    ثم يتلوهم كبار التابعين كأبي العالية وسعيد بن المسيب وعلقمة والأسود وعكرمة وسعيد بن جبير ومجاهد بن جبر وابن سيرين ونافع مولى ابن عمر والحسن البصري .
    ثم تلامذتهم كإبراهيم النخعي والزهري والشعبي والأعمش وأبي الزناد ومكحول والأوزاعي وابن المبارك والثوري وابن عيينة .
    ثم الفقهاء الأربعة الأعلام ، أئمة المذاهب المتبعة : أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد ، وأمثالهم من أقرانهم كأبي ثور والليث بن سعد وابن وهب وإسحاق بن إبراهيم .
    ثم أئمة المحدثين كالبخاري ومسلم وأهل السنن (أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه) ، ثم أصحاب المصنفات في الحديث كابن خزيمة وابن حبان والدارقطني والطحاوي والبيهقي .
    ثم محررو المذاهب من متأخري الفقهاء كابن المنذر والنووي والعراقي وابن الصلاح والقرطبي وابن العربي وابن عبد البر وابن قدامة وابن تيمية وابن القيم والذهبي وابن كثير والعز بن عبد السلام وابن جماعة وابن الملقن وابن حجر وابن رجب .
    ثم أتباعهم ومن أخذ عنهم وسار على نهجهم كابن أبي العز والسيوطي والشوكاني والصنعاني.
    فهل قال أحدهم بتعدد الحق أو إنكار حكم الردة، وغيرها من الأمور المخالفة للإجماع؟ فأنا أدعي أن لا أحد، فالمخالف عليه بالدليل. لأنه –بعلم المنطق أيضاً- يكفي بإتيان مثال واحد ينفي تعميم الفرضية لإثبات بطلانها.
    وبالتالي لا اعتبار لرأي محمد الغزالي والقرضاوي –مع كل الاحترام لهما- أمام فهم هؤلاء العلماء الجهابذة الأفذاذ، و حتى لو استدلا بما يستدلان، لأن العلماء المذكورين –والصحابة في مقدمتهم- عندهم نصوص قطعية الدلالة وقطعية الثبوت، وأجمعوا على فهم واحد لها، فما بالك إذا كانا –الغزالي والقرضاوي- لا يملكانها -أي الأدلة القطعية- بل يتكلمون بالرأي؟

    أما مسألة فقه المقاصد، فأنا مقتنع بها، ولكن لست مقتنعاً أن ما تقرره من أحكام هو ينتمي حقيقةً لفقه مقاصد الشريعة.
    فهذه اقتباسات من مقدمة كتاب الموافقات للشاطبي بتحقيق أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان، لعلها تبين قصدي -والمقدمة للمحقق-:
    “ولقد استند المجيزون إمامةَ المرأة الولاية العظمى إلى أن عمومات الإسلام تؤكد المساواة بين الذكر والأنثى، وأن الحديث المذكور -أي: “لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة” – لا يمثل أساساً صالحاً لتخصيص عموم المساواة، ذلك أن الحديث المذكور ورد بخصوص حادثة معينة…
    يقول الغنوشي في كتابه “الحريات العامة في الدولة الإسلامية” “ص130”:
    “والنتيجة أنه ليس هناك ما يقطع بمنع المرأة من الولايات العامة قضاءً أو إمارةً”.
    أعود إلى ما ذكرت سابقا من أن أحدا من العلماء المعتبرين عند الأمة لا يقول بهذا المنهج أو مثله، ولا يقرر شيئا منه، ولم يأت أحد ممن يقول به حاليا أو من يتبعونه باستدلال شرعي صحيح عليه، وجُل ما يأتون به هو ادعاء وجود هذا المنهج عند بعض العلماء الأفذاذ، والإتيان بنصوص من أقوالهم مع المحافظة على غموضها، ومن هؤلاء العلماء الكبار الإمام الشاطبي المالكي, رحمه الله.
    ويقول الغنوشي أيضا في “ص120”:
    “إن الشريعة ليست نصوصا جامدة، ولا هي مصوغة في صيغ نهائية، وليست أيضا مدونة قانونية بحيث وَضعت لكل فعل وحالة حكما، وإنما المجال لا يزال فسيحا للتفسير والتحديد والإضافة والتجديد عن طريق استخدام العقل الفردي والجماعي “الاجتهاد””.

    هذه النصوص (…) عن الغنوشي كافية لبيان منهجه “العصري” في فهم الإسلام، والذي يتلخص في أن الأفراد والجماعات -ومنهم المسلمون- في تطور وتغير دائم، وتعتريهم حالات الصحة والمرض والقوة والضعف، والإسلام يجب أن يكون بناء على ذلك قابلا للتطور والتغير، ويجب أن يكون مرنا، وإلا لم يكن صالحا؛ فالأحكام يجب أن تتغير بحسب الواقع، فما كان حراما قد يصير حلالا، والقاعدة التي تتبع في ذلك هي المصلحة التي يراها العقل، فما يراه العقل محققا للمصلحة ودارئا للمفسدة؛ فهو مشروع إن خالف نصا؛ لأن النصوص برأيه ليست جامدة ولا مصوغة في صيغ نهائية، ولم تعط حكما لكل فعل وحالة، والمجال فسيح أمام العقل.
    “.
    أما عند الشاطبي -رحمه الله رحمة واسعة-، فقوله “2/ 63-64”:
    “المصالح المجتلبة شرعا والمفاسد المستدفعة إنما تعتبر من حيث تقام الحياة الدنيا للحياة الأخرى، لا من حيث أهواء النفوس في جلب مصالحها العادية أو درء مفاسدها العادية، والدليل على ذلك أمور:
    أحدها: ما سيأتي ذكره إن شاء الله تعالى من أن الشريعة إنما جاءت لتخرج المكلفين من دواعي أهوائهم حتى يكونوا عبادا لله، وهذا المعنى إذا ثبت لا يجتمع مع فرض أن يكون وضع الشريعة على وفق أهواء النفوس وطلب منافعها العاجلة كيف كانت، وقد قال ربنا سبحانه: (ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن) “.

    إذًا، المصلحة عند الشاطبي تنتج عن تطبيق الشريعة ذاتها، وليس عن تطبيق ما يراه العقل موصلا إليها؛ فليس المشروع هو ما يؤدي إلى المصلحة كيفما كان، وإنما المصلحة عند الشاطبي مقصد من التشريع لا يسلك إليها إلا ما قد شرعه الله.
    قال الشاطبي في “2/ 63”:
    “… أن الشريعة إنما جاءت لتخرج العباد من دواعي أهوائهم حتى يكونوا عبادا لله، وهذا المعنى إذا ثبت لا يجتمع مع فرض أن يكون وضع الشريعة على وفق أهواء النفوس وطلب منافعها العاجلة كيف كانت”.
    فالعجب العُجاب ممن يستدل بـ”الموافقات” على عكس هذا المعنى! ولا نستطيع أن نستقصي كل ما قاله هذا الإمام الفذ حول هذه المسألة، ولكني أدعوك -أخي القارئ- إلى قراءة كلام الإمام الشاطبي بعمق، ولا سيما عند حديثه على التحسين والتقبيح العقليين، انظر لزاما: “1/ 125 وما بعد” وتعليقنا عليه؛ فهو مما ينسف هذا المنهج المبتدع من جذوره، ويبيِّن أن افتراءهم على الشاطبي واه ومتهافت.
    والخلاصة: (…) تبين أنه [أي الغنوشي] والذين يعتبرهم “الأصوليين المعاصرين” أو “مفكري الإسلام المعاصرين” يتخذون من أصول الشاطبي إطارا عاما لأجل التشريعات الجديدة المطلوبة لهذا العصر، والتي تتطلب مرونة في الشريعة تدفع إلى العدول عن أحكام النصوص إلى أحكام أخرى تقتضيها الضرورة أو المصلحة بحجة المحافظة على المقاصد، وما أوردناه آنفا عن “الموافقات” للشاطبي يدحض هذه المزاعم التي لا أصل لها عنده، ويؤكد أنها فرية؛ فالشاطبي -رحمه الله- أبدا لم يتحدث عن فقه مصالح وضرورات ولا عن فقه موازنات.
    أما ما يذكره الغنوشي عن تقسيم الشاطبي للمقاصد الشرعية إلى ضروريات وحاجيات وتحسينيات؛ فهذا صحيح، ولكن ليس صحيحا ما يبنيه الغنوشي على ما يستنبطه الإمام؛ فما أشار إليه الغنوشي من إدخال الحريات العامة؛ كحرية العقيدة، وحرية الرأي، وحرية الملكية في هذه المقاصد؛ إنما هو من أوهامه، والشاطبي تحدث في الضروريات عن حفظ الدين وليس عن حرية العقيدة، وحفظ الدين الذي اعتبره الأصوليون من مقاصد الشريعة استدلوا عليه بأن الشارع قد شرع حدا للمرتد وهو القتل؛ فبهذا يحفظ الدين في شريعة الإسلام، بينما الغنوشي في كتابه يدعي أن مقصد حفظ الدين هو حرية العقيدة، أي بهتان هذا؟!” ا.هـ. [من مقدمة المحقق لكتاب الموافقات]
    وعرّف المقاصدَ الغزاليُ بقوله: ” أما المصلحة فهي عبارة في الأصل عن جلب منفعة أو دفع مضرة” وقد بين الغزالي مقصوده من هذا التعريف بقوله: ” ولسنا نعني به ذلك فإن جلب المنفعة ودفع المضرة مقاصد الخلق وصلاح الخلق في تحصيل مقاصدهم، لكنا نعني بالمصلحة المحافظة على مقصود الشرع، ومقصود الشرع من الخلق خمسة: وهو أن يحفظ عليهم دينهم، ونفسهم، وعقلهم، ونسلهم، ومالهم، فكل ما يتضمن حفظ هذه الأصول الخمسة فهو مصلحة، وكل ما يفوت هذه الأصول فهو مفسدة ودفعها مصلحة ”
    رابط الموضوع : http://www.alukah.net/Sharia/0/6155/#ixzz1R7ldzj66

    وهناك اتجاه [رابع] وهو اتجاه المتوسعين في المقاصد بغلو كبير إلى حد إهدار دلالات النصوص المحكمة وتجاوز ضروريات الدين ومبادئ الشريعة وأحكامها المؤكدة، وذلك بافتراضه لمصالح ومقاصد من خارج النصوص وتقديمها على نصوص الشريعة إذا تعارضت ولو كان النص قطعياً، كالذي يبيح الربا تحت مبرر المصلحة؛ مفسراً إياه في ضوء مقاصد التشريع، وهو في حقيقته تعسف في تفسير النصوص، وبناء المقاصد على مصالح موهومة.
    انظر : الأسس العامة لفهم النص الشرعي، ص50. انتهى…

    فإذن هل استخدام فقه المقاصد أدى أن تقوم “محكمة حقوق الإنسان بمنع أذان الجمعة في سويسرا” لأن من مقاصد الشريعة عدم الإضرار بالآخرين فهو يؤذي سمع الآخرين وقال النبي: (لا ضرر ولا ضرار)!؟ (وهذا المنع قد تم فعلاً)…

    وبالنسبة لقاعدة سد الذرائع، فقلتَ أن الإجابة في سؤالي، وهي أن بعض العلماء جعلها دليلاً مستقلاً، وبعضهم عدها ضمن القياس والاستحسان وأن المشكلة بكيفية استخدامها وفق فهم كل مدرسة فقهية. ولكن سؤالي كان عن قبولك لها أم لا، وليس عن كيفية تطبيقها. فإن كنت تقبل بها فإنها سوف تفسّر لك لماذا منع بعض العلماء قيادة المرأة في إحدى البلدان. وأما أن أحداً يقول “الإسلام حرم قيادة المرأة” فهو ليس صحيحاً بالكلية، فإن الذي منع القيادة هم “أولي الأمر منهم” أو “أهل الحل والعقد”، وهذا اجتهاد خاص بهم في هذا الزمان والحال وليس حكم “الإسلام” فيه كتحريم الخمر مثلاً، فهذا الأخير هو ليس اجتهاداً بل فيه نصوص قطعية الثبوت والدلالة معاً.
    وقولك: لم أصلي حتى اقتنعت بدليلها –أي الصلاة-، وليس لمجرد أن العلماء قالوا ذلك. فماذا تقول فيمن لم يقتنع فيها رغم وصول الأدلة الصريحة الصحيحة على وجوبها إليه. إنّ هذا الإنسان يُعتبر (جاحد لوجوبها) وهو يكفُر عند المذاهب الأربعة بل يكفر بالإجماع. –إجماع العلماء المذكورين سابقاً على الأقل، حتى لا يقال، وما أدراكم، لعل مخالف هذا الإجماع لم يصلكم قوله-

    انتهى التعليق بحمد الله.
    ————————————————————————————————————————————-

    الجزء الثاني – الأسئلة

    يجدر التنبيه أني أبتغي الإجابة منك وفق فهمك أو فهم مدرستك الفقهية لها، ولا داعي لسرد الخلافات بين العلماء أو الدعاة أو المدارس، وفقني الله وإياك إلى الهدى والصراط المستقيم.

    1- ماذا تقول فيمن يدعو النبي أن يفرج همه ويرزقه ويغفر له ذنبه، ويستدل بحديث الاستغاثة به يوم القيامة؟ -وله مدرسته الفقهية التي توافقه الرأي، غير التي تنتسب إليها-.

    2- هل كل خلاف يكون معتبراً؟ مثلاً، هل اختلاف مجموعة مدارس فقهية على الصلاة من حيث الوجوب أو الاستحباب يشبه اختلافها على النقاب من حيث الوجوب أو الاستحباب ؟ أم أن الأول خلاف غير معتبر والثاني معتبر؟

    3- عمل الرسول والصحابة من بعده بحكم قتل المرتد –الذي يعلن ردته ظاهراً، وليس الذي يرتد سراً فهذا يسمى منافقاً، وتجري عليه أحكام المسلمين ظاهراً وأمره إلى الله-. أليس إنكار الحكم اليوم يُعدَُ تخطئة لهم كلهم؟ وأليس وضع شرط “خيانة الوطن” هو شرط إضافي محدث لا تعلمه قرون المسلمين التي مضت، بل هو تشريع مع الله ؟

    4- أمرنا اللهُ عند التنازع أن نرد الاختلاف إلى الله ورسوله، فإذا كنا نعتقد بأن كيفية التحاكم إلى الله ورسوله هي ذاتها موضع خلاف، فكيف الله يأمرنا بأمر محال ؟

    5- قال صلى الله عليه وسلم (خير الناس قرني ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم) فهل يعني هذا الترتيب أن خيرية هذه القرون الأولى هي فقط في الأعمال الصالحة، أم أنها أيضاً تعني أنهم أكثر فهماً من المتأخرين؟

    6- قال تعالى ذاماً متتبع الهوى (أريت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا)، فكيف يـُعرف من يتبع هواه ممن يدعي أن ما هو عليه -من باطل- له مدرسة فقهية تدعمه؟.
    ولا يُقال: “ليس ضرورياً معرفتهم”، فنحن مأمورن بتجنب أهل الضلال والأهواء، بل إن هذا من أحد مقاصد الشريعة وهي “حفظ الدين”، وإذا قيل: “معرفتهم متعذرة”، فأقول “قد أخرج البيهقي عن الشافعي رضي الله عنه قوله: (ما من أهل الأهواء أشهد بالزور من الرافضة). وكان إذا ذكرهم عابهم أشد العيب”. [الصواعق المحرقة – إبن حجر الهيتمي]، فكيف عرف بعضهم الشافعي رحمه الله؟

    7- أمرنا الله بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولما كانت معرفة المعروف والمنكر متعذرة لاختلاف أفهام الفقهاء -وفقاً لرأيك-، أليس يكون هذا تكليفاً للمسلمين بشيء محال؟ أم أن الله يأمر كل مدرسة فقهية أن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر لأتباعها فقط وليس لكل أمة محمد؟ وبالتالي يوجد إمكانية أن يكون المعروف في مدرسة ما منكراً في مدرسة أخرى، وبالعكس!

    8-[سؤال سابق معلّق] إذا كانت الأحكام كلها تمر عبر فهم بشري وبالتالي نحن نسلّم للبشر وليس لرب العالمين. فلماذا ننكر إذا على من يفطر في نهار رمضان دون مرض أو عذر؟ ألا يحق له أن يقول “ضيّفني صديقي -وهو من غير ديني- كعكة فخشيت أن أحرجه، فأكلتها” فإذا قيل له ولكن هذا محرم بالاتفاق (بالإجماع)، يقول “ولكن اتفاق علماؤكم لا يلزمني، ففهمهم بشري غير معصوم، وأنا لا أريد إحراج صديقي. ألم يأمرنا الإسلام بحسن المعاملة؟ ثم هاهو الداعية الجديد الدكتور فلان يفتي بجواز الأكل في رمضان في مثل هذه الحالة! “.

    9-[سؤال سابق] إذا كانت كل الأحكام ظنية، فهل يُظن بحرمة الربا والزنا؟

    10- قواعد أهل الحديث في التصحيح والتضعيف هي إجماعات ظنية في أحسن أحوالها، فهل تقبل بحجية الإجماع الظني –الذي يحصل بالتتبع والاستقراء، مع عدم العلم بالمخالف-؟

    11- هل توافقني الرأي بأن هناك نص قطعي الدلالة كقوله تعالى (إن الله لا يحب الفساد)، و أن هناك نص مختلف على دلالته كقوله تعالى (أو لامستم النساء)، وأنه ليست كل النصوص ظنية ؟

    12-[سؤال سابق] أجمع العلماء على قاعدة “سد الذرائع”، فهل تقبل بها –ضمن مدرستك الفقهية-؟

    13- إذا كانت أحكام الإسلام لا تـُـقبل إلا بعد عرضها على المنطق، فإنه يقول تعالى (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجَرَ بينهم ثم لا يجدوا في أَنفسهِمْ حَرَجًا مِما قَضيتَ ويُسلموا تسليمًا). فلماذا يحذّر الله المؤمنين من أن لا يجدوا حرجاً في أنفسهم ويسلموا تسليما، إذا كانت الأحكام لا تـُـقبل إلا بعد عرضها على المنطق، فلم الحرج مما وافق المنطق والعقل ؟

    قال علي رضي الله عن (لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على ظاهر خفيه) [سنن أبي داود 162]

    14 – [سؤال سابق] ما المقصود من الآية -وفق مدرستك الفقهية- (وما كان لؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم). ؟
    فأنا أرى أن معناها : لا ينبغي لؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم، بل عليهم الطاعة وعدم التردد في الانصياع. فهل أصبتُ بتفسيري فهم مراد الله؟

    15- [سؤال سابق] هل اختلاف الصحابة والتابعين والعلماء من بعدهم هو اختلاف تنوع، أي كل الأقوال المختلفة مقبولة عند الله طالما أنها لا تصادم العقل والمنطق؟ وإذا كان جوابك “نعم” : فلماذا كانوا ينكرون على بعضهم البعض، وكلٌ يستدل بما عنده من الأدلة ليـُـظهر أن ما عنده هو الحق وما عند الآخر مخالف للصواب؟ طالما أنه من اختلاف التنوع، وهو رحمة بالمسلمين!. ألا ترى معي أن إصرار علماء المسلمين على مناقشة اختلافاتهم وإنكارهم على بعضهم على مر العصور قد يُــعدّ -وفق ذلك المنظور- نوعاً من إضاعة الوقت؟

    بالنسبة لرابط الشيخ القرضاوي، فسأقره إن شاء الله ولكن بعد أن أقرأ إجاباتك.

    عذراً على الإطالة، وأتمنى أن لا أستمر مستقبلاً في هذا الأسلوب من الاستفاضة ولكن إن شاء الله نصل إلى الحق بأسلوب السؤال والجواب فقد يكون أسرع للوصول إلى نقاط الالتقاء فنتفق، و إلى نقاط الاختلاف فنناقشها بأدلة كل واحد منا حتى نتفق على الحق بإذن الله.

    بارك الله فيكم جميعا وجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.

    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

  13. أخي الكريم، جزاك الله خيراً.
    أحترم وجهة نظرك ولكني غير مقتنع بها. ولا أظن أننا سنتفق، وذلك -برأيي- من سنن الله تعالى في الكون.
    اسأل الله الهدى لنا ولك.
    أنصحك بقراءة كتاب “الصحوة الإسلامية بين الاختلاف المشروع و التفرق المذموم” للقرضاوي.
    شكراً جزيلاً على وقتك.
    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    1. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
      أعلم أنك لست مقتنعاً بوجهة نظري، ولهذا وضعتُ آيات وأحاديث ونقلت فهم العلماء الأفاضل لها، المتقدمين والمتأخرين (على حجية الإجماع مثلاً وغيرها)، وقولك “لست مقتنعاً بها”، فلقد طرحتُ عدة مفاهيم وليس مفهوماً واحداً، فهل لستَ مقتنعاً بها كلها أم بعضها؟ فبعض المفاهيم لا بد لكل مسلم أن يقتنع بها فمثلاً كل مسلم لا بد أن “يقتنع” بأن محمداً رسول الله، وإلا لا يكون مسلماً، وأطرح سؤالاً: هل يُقبل من مسلم أن يقول “يجوز أن يزني المسلم في بلاد الغرب حتى لا يقولوا عنه شاذ جنسياً ، بل هذا من فقه المقاصد”؟!.
      وتحريم الزنا من المعلوم من الدين بالضرورة، وقوله تعالى (ولا تقربوا الزنا) واضح بيـّـن لا لبس فيه ولا غموض البتة. فهل اختلافي مع هذا الرجل في تحريم الزنا هو من اختلاف الرحمة؟. وقد قال تعالى: (ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون. متاع قليل ولهم عذاب أليم). فإن من يحلل الزنا وهو يعلم آية التحريم ويعلم إجماع الأمة على تحريمه فإن مآله جهنم وبئس المصير بنص الآية.
      واعتقادك بأننا لن نتفق، واحتجاجك بقدر الله على اختلاف الناس وأنه سنة كونية، فهذا لا يعطي الشرعية للوقوف عند الاختلاف وعدم تجاوزه للبحث عن الحق، والاحتجاج بالقدر ليس حجة لمخالفة إرداة الله الشرعية. يقول تعالى ذاماً المشركين: (سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء كذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا إن تتبعون إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون). فيذم الله الذين يحتجون بقدر الله ويدّعون أن الله راض عن أفعالهم، فيقول الله لهم (هل عندكم من علم فتخرجوه لنا) لتثبتوا أن الله راض عما تعملون؟. إذاً شاء الله بقدره -وسنته الكونية- أن يكون هناك مشركون وأن يكون هناك مؤمنون، كما شاء أن يكون هناك مسلمون متمسكون بالحق ومسلمون متمسكون بالأهواء والرخص والرأي، ولكنه أمرنا (بالإرادة الشرعية) أن نكون مؤمنين، وأن نكون مسلمين متمسكين بالحق وليس بالرأي أوالتحسين والتقبيح العقليين. قال تعالى: (ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليما).

      لقد حمّلت الكتاب “الصحوة الإسلامية بين الاختلاف المشروع و التفرق المذموم. للقرضاوي” الذي نصحتني به، ولكن أرى من الأفضل والأسرع -بما أنك قرأت الكتاب- أنت تعرض لي -ولو باختصار شديد- الأدلة التي عند الشيخ، والتي تدحض ما قلتــُـه في مشاركتي، أو تذكر لي الصفحات المهمة التي فيها أدلة على خطأ ما ذكرتُ.

      على كل حال، تصفحت الكتاب سريعاً، ولقد قرر الشيخ أن الاختلاف موجود -وهذا لا إشكال فيه- وضرب أمثلة على عدة اختلافات فقهية في الصلاة والزكاة والصيام وغيرها. بعضها اختلافات سائغة معتبرة كقوله ص15: “وهل يجب على المرأة المسلمة لبس النقاب أو يكفي تغطية ماعدا الوجه أو الكفين؟” ا.هـ.
      وبعضها اختلافات غير سائغة ولا معتبرة ولا يُلتفت إليها، يقول ص16 :”أيكون إعفاء اللحية واجباً أم سنة؟” وفي ص17: “هل يجوز تناول ذبائح أهل الكتاب؟”. إذ أجمع العلماء على إباحة ذبيحة أهل الكتاب من اليهود و النصارى لقوله تعالى (وطعام الذين أوتوا الكتاب حلّ لكم). فأين الاختلاف هنا؟.
      فلم يبين الشيخ للقارئ أن هناك فرقاً بين الاختلافين، بل عنونهما بعنوان واحد وهو “الاختلاف الفقهي”!

      ويقول في ص5: “لستُ من السذاجة بحيث أدعو إلى جماعة أو حركة واحدة، تضم جميع العاملين للإسلام، في نظام واحد، وتحت قيادة واحدة، فهذا تقف دونه حوائل شتى، وهو طمع في غير مطمع” ،
      فهو لم يصرح بأن هذا رأيه فقط، بل وصف مخالفيه بالسذاجة، وقد يكون من بينهم علماء أجلاء.
      نعم، تقف دون ذلك حوائل شتى، فهل هذا مبرر للقعود عن هذا العمل الجليل، دعوة المسلمين إلى نظام ومنهج إسلامي واحد، منهج رسول الله وصحابته الكرام وتابعيهم بإحسان؟ وترك التفرق والفرق كـ (خوارج وروافض وزيدية وإباضية وأشعرية وماتريدية وجهمية ومعتزلة ومرجئة وجهمية) وإلى غير ذلك من الفرق. كل حزب بما لديهم فرحون. ولا يدعي عدم وجودها إلا جاهل بها، وكما يقال -في علم المنطق أيضاً- (عدم العلم بالشيء ليس دليلاً على عدمه).

      ويقول ص7 “فقه الاختلاف. الذي عرفه خير قرون الأمة من الصحابة والتابعين وأئمة الهدى، فلم يضرهم الاختلاف العلمي شيئا، وجهلناه فأصبحنا يعادي بعضنا بعضا، بسبب مسائل يسيرة، أو بغير سبب!”.
      نعم لم يضرهم شيئا، ولكن هل هذا معناه أنهم كانوا لا يتباحثون أيّ الأقوال أقرب للحق أم كانت كلها حق؟.

      فعن عروة بن الزبير أن عبد الله بن الزبير قام فقال إن ناسا ، أعمى الله قلوبهم ، كما أعمى أبصارهم ، يفتون بالمتعة . يعرّض برجل -وهو ابن عباس رضي الله عنه- . فناداه، فقال : إنك لجلف جاف . فلعمري ! لقد كانت المتعة تفعل على عهد إمام المتقين ( يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم ) فقال له ابن الزبير : فجرب بنفسك . فوالله ! لئن فعلتها لأرجمنك بأحجارك .
      صحيح مسلم 1406.

      وبما أن ابن الزبير بلغه تحريم الرسول لها في آخر الأمر، ولم يبلغ التحريم لابن عباس -رضي الله عن الجميع- فوجب على الذي يعلم الحق أن يبينه للآخرين ولا يكتفي بقول “لكم فهمكم ولي فهمي” -وهذا هو النوع من الخلاف غير السائغ. أما الخلاف السائغ فلا إنكار على المخالف، بل نتحرى الحق ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه-، ألا ترى إلى قوله رضي الله عنه “لئن فعلتها لأرجمنك بأحجارك” ؟

      للاستزادة في هذا الموضوع يُـنظر”فقه الخلاف، للدكتور ياسر برهامي”

      و قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((لا تمنعوا نساءكم المساجد إذا استأذنكم إليها)) ، فقال بلال بن عبد الله : والله لنمنعهن . فأقبل عليه عبد الله فسبه سبًا سيئا ما سمعته سبه مثله قط ، وقال” أخبرُك عن رسول الله وتقول أنت لنمنعهن . (رواه مسلم) ، قال النووي : فيه تعزير المعترض على السنة المعارض لها برأيه . -والمعترض صحابي والمعارض صحابي-.

      كما ضعف الشيخ في الكتاب حديث الافتراق إلى ثلاث وسبعين فرقة، وهو حديث صحيح، صححه الكثيرون وذكر في كثير من كتب الفقه، واحتج على ضعفه بعدم وروده في الصحيحين، ومعلوم وجود كثير من الأحاديث الصحيحة في غيرهما. ثم في ص38-39، صار يؤول الحديث مما يدل على أنه ليس متأكد تماماً من ضعفه، فكما يقال، “التأويل فرع عن التصحيح”.
      بل احتج بمعنى حديث “اختلاف أمتي رحمة” رغم أنه قال ص50: “في هذا الحديث بعض الضعف من ناحية إسناده”.
      بل إن الحديث لا سند له [انظر بداية السول، 19]،

      والرد هو:

      “وإن من آثار هذا الحديث السيئة [اختلاف أمتي رحمة] أن كثيرا من المسلمين يقرون بسببه الاختلاف الشديد الواقع بين المذاهب الأربعة ، ولا يحاولون أبدا الرجوع بها إلى الكتاب والسنة الصحيحة ، كما أمرهم بذلك أئمتهم رضي الله عنهم ، بل إن أولئك ليرون مذاهب هؤلاء الأئمة رضي الله عنهم إنما هي كشرائع متعددة ! يقولون هذا مع علمهم بما بينها من اختلاف وتعارض لا يمكن التوفيق بينها إلا برد بعضها المخالف للدليل ، وقبول البعض الآخر الموافق له ، وهذا ما لا يفعلون ! وبذلك فقد نسبوا إلى الشريعة التناقض ! وهو وحده دليل على أنه ليس من الله عز وجل لو كانوا يتأملون قوله تعالى في حق القرآن : { ولوكان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا } فالآية صريحة في أن الاختلاف ليس من الله ، فكيف يصح إذن جعله شريعة متبعة ، ورحمة منزلة ؟ .
      وبسبب هذا الحديث ونحوه ظل أكثر المسلمين بعد الأئمة الأربعة إلى اليوم مختلفين في كثير من المسائل الاعتقادية والعملية ، ولو أنهم كانوا يرون أن الخلاف شر كما قال ابن مسعود وغيره رضي الله عنهم ودلت على ذمه الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الكثيرة ، لسعوا إلى الاتفاق ، ولأمكنهم ذلك في أكثر هذه المسائل بما نصب الله تعالى عليها من الأدلة التي يعرف بها الصواب من الخطأ ، والحق من الباطل ، ثم عذر بعضهم بعضا فيما قد يختلفون فيه ، ولكن لماذا هذا السعي وهم يرون أن الاختلاف رحمة ، وأن المذاهب على اختلافها كشرائع متعددة !
      وجملة القول أن الاختلاف مذموم في الشريعة ، فالواجب محاولة التخلص منه ما أمكن ، لأنه من أسباب ضعف الأمة كما قال تعالى : { ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم }
      وهنا قد يرد سؤال وهو : إن الصحابة قد اختلفوا وهم أفاضل الناس ، أفيلحقهم الذم المذكور ؟ .
      وقد أجاب عنه ابن حزم رحمه الله تعالى فقال ( 5 / 67 – 68 ) : كلا ما يلحق أولئك شيء من هذا ، لأن كل امرئ منهم تحرى سبيل الله ، ووجهته الحق ، فالمخطئ منهم مأجور أجرا واحدا لنيته الجميلة في إرادة الخير ، وقد رفع عنهم الإثم في خطئهم لأنهم لم يتعمدوه ولا قصدوه ولا استهانوا بطلبهم ، والمصيب منهم مأجور أجرين ، وهكذا كل مسلم إلى يوم القيامة فيما خفي عليه من الدين ولم يبلغه ، وإنما الذم المذكور والوعيد المنصوص ، لمن ترك التعلق بحبل الله تعالى وهو القرآن ، وكلام النبي صلى الله عليه وسلم بعد بلوغ النص إليه وقيام الحجة به عليه ، وتعلق بفلان وفلان ، مقلدا عامدا للاختلاف ، داعيا إلى عصبية وحمية الجاهلية ، قاصدا للفرقة ، متحريا في دعواه برد القرآن والسنة إليها ، فإن وافقها النص أخذ به ، وإن خالفها تعلق بجاهليته ، وترك القرآن وكلام النبي صلى الله عليه وسلم ، فهؤلاء هم المختلفون المذمومون .
      وطبقة أخرى وهم قوم بلغت بهم رقة الدين وقلة التقوى إلى طلب ما وافق أهواءهم في قول كل قائل ، فهم يأخذون ما كان رخصة في قول كل عالم ، مقلدين له غير طالبين ما أوجبه النص عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم .

      ويشير في آخر كلامه إلى ” التلفيق ” المعروف عند الفقهاء ، وهو أخذ قول العالم بدون دليل ، وإنما اتباعا للهوى أو الرخص ، وقد اختلفوا في جوازه ، والحق تحريمه لوجوه لا مجال الآن لبيانها ، وتجويزه مستوحى من هذا الحديث وعليه استند من قال : ” من قلد عالما لقي الله سالما ” ! وكل هذا من آثار الأحاديث الضعيفة ، فكن في حذر منها إن كنت ترجوالنجاة { يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم } .”ا.هـ.
      [سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة 57]

      إذاً الاختلاف موجود ومشاهد، لكن علينا العمل معاً قدر الإمكان على توحيد الكلمة وتوحيد الأحكام ما استطعنا. ولا أن نجعل هذا الاختلاف رحمة للأمة.

      ثم يتحدث الشيخ عن أن الأمة الإسلامية تعيش الآن في وضع صعب، وأن عليها الالتفات للأشياء المهمة وترك هذه الأمور الصغيرة التي يسع الخلاف فيها، وفي ص97 يقول الشيخ القرضاوي “كما أسفت لأن أحدهم ألف رسالة سماها (نهي الصحبة عن النزول على الركبة)، وهو أمر يتعلق بهيئة الصلاة، وفيه أخذ ورد..” .

      وهو يقصد الرسالة للمحدث الشيخ الحويني -حفظه الله-، ويلمح أن مثل هذه الرسالات هي من قبيل إضاعة الوقت في ما لا يهم، في حين أن الغرب يتربص بنا الدوائر.
      فأقول: إن مثل هذه الرسالات ليست بدعاً من الأمور ولا شيئاً مستحدثاً، بل إن علماء الإسلام على مر تاريخهم يكتبون الردود على بعضهم البعض حتى يتوصلوا إلى الحق.

      وعن سلمان الفارسي قال: (قال لنا المشركون : إني أري صاحبكم يعلمكم. حتى يعلمكم الخراءة . فقال : أجل . إنه نهانا أن يستنجي أحدنا بيمينه . أو يستقبل القبلة . ونهى عن الروث والعظام . وقال ” لا يستنجي أحدكم بدون ثلاثة أحجار ” ).[صحيح مسلم 262].

      فهل يمكن أن يقال “كيف يعلمهم الرسول كيفية قضاء الحاجة، في حين كان المشركون يتربصون بأمة الإسلام الدوائر، وكيف يعلمهم كيفية الاستنجاء في حين كان المسجد الأقصى في يد الروم”. وهذا كلام يُغني بطلانه عن إبطاله.

      ومن قال للشيخ القرضاوي أن الذي ألف رسالة (نهي الصحبة عن النزول على الركبة)، لم يتحدث في مشاكل أمة الإسلام الكبيرة؟…

      أما اعتقادك بأننا لن نتفق، فأنا أوافق بأننا لا يمكن أن نتفق إذا لم نعرض أفكارنا لبعضنا البعض ثم نعرضها على الكتاب والسنة وأهل العلم ثم نتناقش بالنقل والعقل.. أما إذا صار كل واحد منا يمتنع عن محاورة الآخر، فهذا صحيح، لن نتفق حينها أبداً.

      والله أعلم.

      وهذا رابط مفيد جداً عن حلقة للشيخ الحويني عن فقه الخلاف
      http://www.archive.org/download/forsanelhaq–special–1/fadfada11-11-09.avi

      بارك الله فيكم جميعا وهدانا إلى الحق بإذنه، والسلام.

      رغم الاختلاف بيننا، أتمنى أن تجيبني عن أسئلتي -ولو باختصار شديد- بارك الله في الجميع.

      أسأل الله أن يغفر لي خطئي، فما أصبت من الحق فمن الله تعالى وما أخطأت فمن نفسي ومن الشيطان أعاذنا الله منه.

      والسلام عليكم ورحمة الله

  14. لدي سؤال لعبد الرحمن:

    هل أنت من مدرسة المعطلة الجدد أم المدرسة الوسطية (حسب دراسة فقه مقاصد الشريعة للدكتور القرضاوي) ؟

    انظر الرابط التالي :

    http://www.shareah.com/index.php?/records/view/action/view/id/2550/

    1. دعك مني أخي الكريم ومن المدرسة التي أنتمي إليها، فحسابي في نهاية المطاف على الله تعالى:
      (وكلهم آتيه يوم القيامة فرداً).
      المقالة أمامك، وقولي لأي مدرسة أنتمي لن يغير المقالة. إن أعجبتك ورأيتها مقنعة، فالحمد لله. وإن لم تعجبك، فالحمد لله أيضاً.

      وجزاك الله خيراً على هذا الرابط الجميل.

  15. أخي الكريم عبد الرحمن لقد لاحظت بكل ردودك بأنك تتحجج بمدرستك و مدرسته….
    فمعرفتنا لمدرستك ستختصر كل هذا النقاش, ولقد ذكرت سابقا أنك تنتمي لمدرسة فقه المقاصد, وحسب تعريف الشيخ القرضاوي ( الذي يبدو أنه مؤسس هذه المدرسة) هنالك مدرسة المعطلة الجدد ومدرسة الوسطية, فأين أنت؟…..
    كما أنني لاحظت أن مدونتك تغلب عليها طابع البحث العلمي والجدل المنطقي الذي يخرس الشيطان, فكيف تضع هذه المدونة “حتى نكون منصفين” ثم تطلب مني أن لا أسأل عن المصدر أو عن المدرسة
    وأنت القائل “ولكني أطلب الدليل مع الحكم”….
    وتقول لي “إن أعجبتك ورأيتها مقنعة، فالحمد لله. وإن لم تعجبك، فالحمد لله أيضاً.” يعني إن لم أقتنع بكلامك الحمد لله وأسكت
    وأنت القائل “تعليقاتكم مصدر بركة…وبالنقاش نغني المحتوى”
    وأنت ترفض النقاش أصلا…وتريد أن تغلق الموضوع….

    والله حيرتنا 🙂

    على أية حال, أرجو لك التوفيق والنجاح في أبحاثك….

  16. إلى السيد visitor إن النقاش بأحسن أحواله يوصل إلى اتفاق ولكنه بمعظم الأحيان يبقى تبادل آراء، والأخ عبد الرحمن عندما كتب هذه المدونة عرض وجهة نظره فإن لم تعجب بإمكانك عرض وجهة نظرك الخاصة بك وهنا يكون قد حصل تبادل الآراء وكما ذكرت فإن النقاش لايوصل بالضرورة إلى الاتفاق لانه لو كان كذلك لما وُجد الاختلاف بالآراء أصلاً

    1. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
      إلى الأستاذ mukhtar
      نعم -أخي الكريم-، إن النقاش كثيراً ما يوصل إلى تبادل آراء وعدم اتفاق، لكن المشكلة هنا أن أحد الأطرفين المناقشين يعتقد بأن هذا الموضوع المناقش بالذات لا يحتمل رأيين. فمثلاً يمكن النقاش على موضوع “أيهما أفضل؟ سيارات مرسيدس أم سيارات فورد؟”. وكل من الطرفين يعرض وجهة نظره فإما يقنع الطرف الآخر وإما لا، ولا يحاول أحدهم أن يجعل الآخر على أن يغير قناعته. ويكون قد حصل تبادل آراء.
      أما النقاش في هذا التدوينة، فليس كالنقاش الأول، فهو في موضوع يراه أحد الطرفين بأنه لا مجال للاختلاف فيه، ويحاول أن يقنع الطرف الآخر بهذا الكلام محتجاً بالأدلة والبراهين التي يملكها، ويحاول أن يبرهن للآخر أن الحق لا يتعدد وخاصة في المسألة المختلف عليها. لذا فإنك تعترض عليه في عين المسألة التي يحاول أن يبرهنها، مستدلاً-هو- بالكتاب والسنة وأقوال العلماء، وإن كنت ترى عكس ذلك، فوجب أن تحتج عليه بنفس قوة أدلته أو أقوى حتى تدحض أقوال خصمك.
      فمثلاً حكم قتل المرتد حكم مجمع عليه من علماء المسلمين، لم يخالفه أحد أو يشترط عليه “شروط إضافية كالخيانة للوطن” إلا بعض المتأخرين، وكل من رفض هذا الحكم -بمجرد الرأي- فقوله شاذ لا يــُـلتفت إليه. فلا يمكننا أن نقول لهذا المحتج على المخالف للحكم الثابت الصحيح المجمع عليه من علماء المسلمين بأن “المسألة تبادل آراء وأن النقاش لا يوصل بالضرورة لاتفاق، وإلا لما وجد الاختلاف بالآراء أصلا” بمعنى لا تتكلم وكأنك أنت المحق وهو مخطئ ولكن تكلم معتقداً بأن المسألة تحتمل الوجهين. فمثلاً هل إذا ناقشت رجلاً على وجوب الصلاة فقال “أنا رأيي أنها مستحبة وليست فرضاً”، هل إذا ناقشنا هذا الرجل ثم لم يقتنع، فقيل لنا “المسألة تبادل آراء، فإن لم تعجبك وجهة نظره اعرض وجهة نظرك” هل معناه هذا أن القضية تحتمل الرأيين أم أن القائل بوجوب الصلاة هو المحق والآخر هو المخطئ؟
      فعلى سبيل المثال، وبما أن النقاش المطروح سابقاً في هذه المدونة مازل قائماً، ما موقفك منه وما رأيك فيه؟ هل أنت مع تعطيل الحدود أو بعضها لتحقيق فقه المقاصد والمصالح؟ أم أنك ترى أنه قد أسيء فهم “فقه المقاصد”؟. نحن نرى أن “لا يجب تعطيلها أو وقفها إلا بأدلة من الوحيين، أما مجرد الرأي والاستحسان فلا يلزمنا كمسلمين، وخاصة أنها قضية فقهية وعقائدية وليست مسألة دنيوية تقبل عدة أوجه” فما رأيك -أخي- في هذا ؟
      هل أنت مع عرض الأحكام الفقهية على “العقل” فما قبله العقل قبلناه وما رفضه رفضناه، مع العلم أن العقول متفاوتة بين البشر فما ترفضه أنت “بعقلك” قد أقبله أنا والعكس صحيح.وبالتالي رد الأحكام الفقيهة إلى العقل لم يحل مشكلة الخلاف أصلاً، بل نقلنا خلاف طرفين على طريقة فهمهم للنص، إلى خلاف لطرفين على تحسينهم وتقبيحهم العقلي لمسألة من المسائل. بل إن هذا الأخير -عرض الأحكام على العقل لرفضها أو قبولها- لهو أقرب لاتباع الهوى من الأسلوب الأول، فكل متبع لهواه يمكن أن يقول عند فعل عمل محرم “هذا ما وافق عقلي”، بل قد يجد فتوى شاذة هنا وهناك -وقد تكون مدعمة بأدلة واهية جداً من جنس المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة- يتعلق بها ويطير فرحاً وتصير مرجعاً له عندما ينكر أحد ما عليه بأن يقول للمنكـِر: “هذا ما وافق عقلي، فما بالك بأنه أفتى أحدهم بذلك العمل بأنه مباح حلال؟ فلا تنكر علي، وكما يقال “لا إنكار في مسائل الخلاف” “.

      أنا معك فيما قلت إن كنت تقصد أن الحق لا يتعدد ومع ذلك ليس كل نقاش يصل إلى اتفاق. أما إن كنت تقصد أن الحق يتعدد -في القضايا المختلف عليها في هذه التدوينة تحديداً- وبالتالي النقاش هو تبادل آراء فحسب ولا يجب أن يحاول أحد الأطراف جاهداً أن يقنع الآخر في قضية تقبل الاختلاف أصلاً، فهذا ما لا أؤيدك فيه، إذا -كما أشير سابقاً- ، بعض القضايا لا تقبل الخلاف كمسائل العقيدة من موت وبعث وجنة ونار وغير ذلك، فالمختلفين على وجود يوم للقيامة كـ “هل يوجد شيء اسمه يوم القيامة أم لا؟” قد يتفقوا أو لا يتفقوا، ولكن الذي يحاول أن يثبت وجود هذا اليوم ويصر على هذا، ولا يـُري الطرف الآخر بأنه قد يكون على حق -هذا الطرف الآخر- ، فلا يجب أن يقال له “المسألة تحتمل عدة آراء” بمعنى: أنه قد يكون الحق معك أو معه فلا تناقشه معتقداً أنك أنت المحق وهو المخطئ، بل ناقشه وأنت معتقد بأن أحدكما محق أو كلاكما . أما إذا قيل له “المسألة تحتمل عدة آراء” بمعنى: إنك على حق ولكن إن لم يقتنع رغم البراهين فلا تتعب نفسك كثيراً فيبدو أنه بعد هذا لن يقتنع. فأنا مع هذا المعنى. فأي المعنيين تقصد؟ -بارك الله فيك-

      هل الاختلاف بالآراء حول قيام الساعة من حيث أن حقيقة أم خيال، يكافئ الاختلاف بالآراء حول أيهما أفضل الجامعة الخاصة أم الحكومية؟ أم أن الأول فيه أحد محق حتماً والآخر مخطئ حتماً، والثاني هو اختلاف لا يجب أن يجزم أحد الطرفين بأنه هو المحق والآخر مخطئ؟

      أرجو أن أكون وُفقت إلى توضيح مقصودي، وأن أكون قد أصبت الحق في كلامي. بارك الله فيكم، والسلام عليكم ورحمة الله.

  17. […] كتابتي لآخر تدوينتين (حتى نكون منصفين – نحو فهم معاصر للإسلام) قررت أن أراجع الأفكار التي […]

  18. بسم الله الرحمن الرحيم
    أخي هادي، تحية طيبة و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

    و لاحظ كيف أني عرفت اسمك من دون أن أنسخ اسم المستخدم الذي تستخدمه و هنا يجب أن يتضح لك أن اسمي شادي و ليس shadispire و أظن الأمر واضح، أليس كذلك:)؟ تخيل أني وضعت اسم مستخدم مثل
    non-dis-junctional-ization مثلاً، يصبح عندها من حقك ألا تكتشف ما هو اسمي 🙂

    أحيي فيك رغبتك العارمة في تبيان الحق و الوصول إليه، و لكم أسر بقرائتي لمثل هذه النقاشات لما تحمله من عظيم الفائدة في ثناياها.

    سأبدأ مع ما فهمته من مقالة الأخ و الصديق عبد الرحمن ’’حتى نكون منصفين‘‘ ليتوضح فهمي للمقالة و لست لأنوب عن عبد الرحمن في الشرح و التفصيل و لا في الرد على أي تعليق، إنما أقول ما أفهم ما استقر في ذهني بعد قرائتي لها، و أعرض رأيي في الموضوع.

    نزل القرآن على رسول الله صلى الله عليه و سلم، و حمل معه شريعة الله إلى البشر، و جاءت سنة النبي صلى الله عليه و سلم لتوضح و تفسر ما جاء في القرآن و لتكون دليلاً مع القرآن يهتدي الناس على هداهما ليبقوا على الطريق الصحيح.
    و بينما كان الرسول صلى الله عليه و سلم بين صحابته كان هو المرجع في الحكم لأنه الرسول المنزه عن الخطأ و هو أكثر الناس فهماً لمراد الله و شريعته.
    و بعد وفاة النبي صلى الله عليه و سلم و مع تقدم الزمان و ظهور ما لم يكن على زمن الرسول صلى الله عليه و سلم ظهرت الحاجة إلى من يتول مهمة الإفتاء في أمور الناس ليبقوا على الطريق السليم.
    و عندما يتعرض المفتي لما لم ينزل فيه نص و لم يكن على زمن رسول الله صلى الله عليه و سلم، فهنا لا بد له من أن يستخدم عقله في الوصول إلى الحق، عبر استنباط الحكم من القرآن و السنة، فنحن نعلم أن القرآن و السنة فيهما كل ما يحتاج الإنسان إليه في حياته لأن هذا الدين كامل و هو لكل زمان و مكان.
    و القرآن و السنة ليس فيهما نصوص صريحة لكل حكم و لكل مسألة، إنما فيهما الخطوط العريضة التي يمكن لنا أن نسير عليها و نصل لحكم اي قضية و أي إشكالية. و هنا تبرز فكرة أنه لا بد من أن نستخدم العقل في ذلك. طبعاً أتحدث عن الأمور التي لا نص صريحاً فيها، و مثالنا في هذه المقالة (على سبيل المثال لا الحصر) مسألة قيادة المرأة للسيارة.
    و ما دام أننا نستخدم العقل فنحن معرضون للخطأ خلاف رسول الله صلى الله عليه و سلم. و نحن معرضون للسير في طريق قد يبدو صحيحاً ظاهرياً و لكنه في الحقيقة خاطىء.
    و لذلك من حقي و من حقك أن تفهم الطريق الذي سار عليه صاحب الفتوى وصولاً لفتواه هذه، فإن اقتنعت بها كان خيراً (و لاحظ أنه مع أني قد أقتنع بها و أعمل بها إلا أنها قد تكون غير دقيقة) و إلا فأني سأسأل السؤال البديهي ’’لماذا؟‘‘ (طبعاً لن أهملها و أذهب طالباً فتوى تروق لي و تناسب هواي).
    و المفتي كائناً من كان ملزم ببيان الدليل و كيفية وصوله لهذه الفتوى، و هو مهما كانت منزلته معرض للخطأ، و قد تكون منهجيته في الوصول إلى الفتوى غير منطقية، و عندما أقول لك غير منطقية اعني أنها لا توافق العقل، و تحيد عن مبادئه.
    إذاً نحن معرضون كما كل من يصدر أحكاماً شرعية للخطأ لأننا نستخدم عقولنا في التفسير و التحليل و الوصول للحكم. و في الحقيقة استخدام العقل أمر لا مفر منه. طبعاً لا تفهم من كلامي أني أقدم العقل على النقل إلى ما هنالك من هذا الكلام، فأنا لست مختصاً و كثير من المصطلحات سمعت بها هنا أول مرة، و لكني أستطيع أن أصل لحقيقة أن العقل لا يمكن أن يقدم على النقل الصحيح، بل إن من المنطقي أن تقدم النقل الصحيح على العقل، و من غير المنطقي خلاف ذلك.
    لكن تظهر المشكلة في الحيثيات التي لا نص واضح فيها، و التي لا بد معها من إعمال العقل. و لأننا بشر و لأن فهمنا يختلف فلا بد من مخطأ و مصيب.سأضرب لك بعض الأمثلة التي رأيتها بنفسي.

    مفتينا في مدينتنا أصدر كتاباً في الفتوى، و من إحدى فتاواه السؤال التالي:
    إمرأة فاقدة لعقلها، هل يجوز أن نعطيها أدوية تمنع حصول الدورة الشهرية عندها؟ كان جوابه نعم. لأن ذلك برأيه اسهل لأهلها في التعامل معها.
    ذهب إليه ابن خالي و هو طبيب مختص بامراض النساء و قال له بأن هذا يمكن أن يسبب لها أمراضاً خبيثة على المدى الطويل. فتراجع عن فتواه.
    الشاهد هنا أنه حكّم عقله و رأى أنه لا مانع بل و من الأسهل على أهل الفتاة ألا تنزف. فأصدر تلك الفتوى الخاطئة. قد تقول لي بأنه كان عليه أن يسأل قبل ذلك، و الأمر سيان، ما يهم هو أنه أخطأ في المحاكمة العقلية سواء في عدم سؤاله طبيباً مختصاً و ظنه أن الأمر لا يحتاج، أو في تسرعه و أصدار الحكم بناء على فهمه هو.

    مثال آخر: نفس المفتي (طبعاً لست أتحامل عليه و لكن هذا مفتينا و هذا هو من نحن على صلة بفتاواه) حضر حفلة فيها دف اصطناعي، بمعنى جهاز الكتروني يشبه الدف و يصدر نفس صوته لكن بصفاء و دقة أكبر. قام الشيخ يخطب في الناس و يقول لهم هذا حرام، و رغم أن الكثير من العلماء أفتوا به إلى أني لا أفتي به! لماذا يا شيخنا (و هنا لاحظ طرقته الخاطئة في التحليل و الوصول للحكم) قال: لأن الناظر إليه ’’لا‘‘ يعتقد بأنه دف!!!!
    قلت في نفسي: يا شيخنا هذه أداة موسيقية و الحكم عليها يجب أن يكون على صوتها و ليس منظرها، هذا غير أن 1% من الحضور سيراها و الباقي سيسمعها فقط و يعتقد أنه يسمع دفاًّ!. لا تلق اهتماماً للفتوى الآن إنما فقط طريقة التحليل التي اتبعها الشيخ. و ظن أنها صحيحة.
    أيضاً الشاهد هو الطريقة التي حلل بها الشيخ القضية و وصل منها إلى الحكم. و أكرر لست أتحامل عليه و لست أشك في علمه فهو شيخ كبير و على عليم كبير و مشهود له و قد يكون كلامي أيضاً فيه خطأ. و لكنه يبقى بشراً و هو معرض للخطأ – كما أنا.

    أيضاً: من عينه مفتياً حكّم عقله في قدراته و قد يكون مخطئاً في قراره هذا، و من عين من عينه حكم عقله، و لا يوجد طريقة لا تحكيم للعقل فيها في أي خطوة من الخطوات التي تصل بها الفتوى إلينا……. طبعاً لا اريد أن ندخل في حلقة مفرغة و أن اشك في هذا و ذاك و لكني أشك في ما لا يتقبله العقل من حيث المنهجية و التحليل و ليس من أنه لم يوافق هواي.

    الخلاصة: نحن بشر، نتفاوت في الحكم و التفسير و التحليل، و تتعرض لنا في حياتنا اليومية قضايا لا بد معها من استخدام العقل. و منه فالحكم قد يحمل الخطأ و ضعف المنطق و هنا لا بد من البحث و التدقيق في الحكم مرة أخرى حتى نصل إلى الحكم المنطقي.

    و هنا يبرز السؤال التالي: هل إذا صدر حكمان على قضية ما (بسبب الاختلاف في التحليل و الاستقراء)، هل يعني أن أحدهما خاطئاً و الآخر مصيب.
    قولاً واحداً: ليس بالضرورة. قد يكونان صحيحان و لكن أحدهما اقرب للحق من صاحبه. و حتى هذه لا نستطيع أن نحددها لأننا لا نريد الدخول في حلقة مفرغة. المهم أن كلاهما ’’لا‘‘ يتعدى الحدود الواضحة التي رسمها الله لنا. و كمثال على ذلك أنا اسير بسيارتي (ليس لدي سيارة :)) في شارع ذي اتجاهين، كل اتجاه فيه عدة حارات، أينما حارة سرت بها فأنا على الطريق الصحيح، و لكن تبقى حارة افضل من أخرى حسب الحالة و السرعة التي أقود بها، ما يهم بالأمر أني لا أخالف الاتجاه (لا يهمنا الآن تحديد أيهما افضل المهم أنهما كلاهما صحيح).

    و هكذا في ديننا. القرآن و السنة فيها الاتجاهات العريضة لحياتنا و التي يجب أن لا نخالفها. و لا يمكن لهما أن يحويا كل الأحكام لكل القضايا بالنص الصريح، وإلا لما كان هذا الدين صالحاً لكل زمان و مكان. لأنه لك يمكن حصر ما يمكن أن يتعرض له الإنسان على مر الزمان في كتاب واحد حرفياً و بصريح النص. عدا عن كون الأحكام (المستنتجة) قد تتغير على مر الزمان لتغير الظروف. فمثلاً عندما يظهر دواء يمكن تلك الفتاة من تعطيل الدورة الشهرية (و هذا وارد جداً مع تقدم العلم) فستصبح الفتوى بالجواز، و يمكن بعد سنة أن يعود العلماء عن رأيهم هذا و يقولوا لك كلا إن هذا الدواء له تاثيرات أخرى ضارة، فتعود الفتوى بعدم الجواز.
    لاحظ المبدأ العريض الذي ورد في القرآن و السنة و هو أننا يجب أن لا نضر بالفتاة، و لاحظ كيف أننا في الحالتين سرنا ضمن هذا المبدأ العريض و لكن اختلفت الحارة بل و اختلف الاتجاه الذي نسير به مع تغير الزمن.
    و هنا يظهر جمال ديننا و سر من أسرار صلاحه لكل زمان و مكان.

    و هنا سأطرح رأيي فيما سألته للأخ عبد الرحمن. هو جوابي و ليس جوابه لأني لا أنوب عن أحد. طبعأً سأضطر للتنصيص و نقل الكلام رغم أني لا أحبذه و لكن يمكن أن تفيد هنا في حصر الخلاف و النقاش فيه و الانتقال لغيره بعد أن نخرج بنتيجة.

    1#
    ما المقصود من الآية (وما كان لؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم). ؟
    فأنا أرى أن معناها : لا ينبغي لؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم، بل عليهم الطاعة وعدم التردد في الانصياع. فهل أصبتُ بتفسيري فهم مراد الله؟

    أنا أرى: أن المقصود هو اعتماد المصادر التشريعية التي أرسلها الله لنا (القرآن) و التي عمل بها رسول الله صلى الله عليه و سلم (السنة) كمصادر رئيسية لأي قضية خلافية نبحث فيها في المستقبل. طبعاً عندما يقضي الله و رسوله في الأمر صراحة فالمعنى واضح هو أن لا يكون لنا رأي غيره، و هذا ما لا يختلف عليه أحد. أما عندما لا نجد نصاً صريحاً فيبقى المعنى مستوحاً من الآية بأن يكون الله و رسوله (بالقرآن و السنة) هما المنبع الذي يستقى منه الحكم و يستنتج. فليس بالضرورة (و هذا هو الواقع) أن يكون حكم الله و رسوله صريحاً لكل قضية.

    2#
    هل اختلاف الصحابة والتابعين والعلماء من بعدهم هو اختلاف تنوع، أي كل الأقوال المختلفة مقبولة عند الله طالما أنها لا تصادم العقل والمنطق؟ وإذا كان جوابك “نعم” : فلماذا كانوا ينكرون على بعضهم البعض، وكلٌ يستدل بما عنده من الأدلة ليـُـظهر أن ما عنده هو الحق وما عند الآخر مخالف للصواب؟ طالما أنه من اختلاف التنوع، وهو رحمة بالمسلمين!. ألا ترى معي أن إصرار علماء المسلمين على مناقشة اختلافاتهم وإنكارهم على بعضهم على مر العصور قد يُــعدّ -وفق ذلك المنظور- نوعاً من إضاعة الوقت؟

    في القضايا التي فيها حكم صريح لا اختلاف فيها قولاً واحداً. و الأحكام المختلفة تكون مقبولة ليس فقط عندما لا تصادم العقل و المنطق، بل عندما أيضاً لا تخرج عن الخطوط العريضة التي شرعها الله لنا و لا تتصادم مع أي حكم صريح سابق أو أي نص قرآني أو اي حديث شريف. فالعقل و المنطق أداتان تستخدمان داخل بوتقة القرآن و السنة و لا يمكننا استخدامهما خارج هذه البوتقة. و هنا لاحظ كيف اننا عندما نستخدمهما خراج هذه البوتقة لخرجنا بأحكام كثيرة تتعارض مع ما أنزله الله و ما جاء به رسوله الكريم صلى الله عليه و سلم رغم أنها قد تبدو منطقية لنا.
    إذاً عندما يختلف الصحابة في حكم ما، فهم لديهم حكمان في نفس الاتجاه و لكن كل في حارة (الحارات في نفس الاتجاه الصحيح)، و يجب عليهم التناقش و عرض أدلة كل منهما حتى يتضح كيفية وصولهم لهذه الأحكام و قد يتبين صحة أحد الأحكام و خطأ أحدها و قد يبقى أكثر من حكم صحيح بأكثر من دليل.

    قبل أن أتابع أتمنى ان تمعن النظر أكثر في أسئلتك، فهي تحمل استنتاجات سريعة و التي لا يمكن الاجابة دفعة واحدة. فمثلاً في سؤالك الاخير، تسأل هل الاختلاف اختلاف تنوع، ثم تسأل سؤالاً آخر مبنياً على وجة نظرك و رأيك في جواب الثاني، لست أقصد افتراضك بأن يجيب نعم، و لكن أقصد بأنك حصرت فهمه لكلمة اختلاف تنوع بما تريد أنت أو حصرت صنفاً من الاختلافات و سميتها انت اختلاف تنوع. و تابعت في الأسئلة بناء على ذلك. بمعنى أنك تسأل السؤال و تبدأ بجزئية و تفترض أن جواب الآخر لن يخرج عن إطار رسمته أنت! و تتابع بجزئية أخرى مبنية على تلك الرؤية و تلك الجزئية السابقة.

    أشبه لك طريقتك بالسؤال بهذا السؤال (لا تعر أي اهتمام للسؤال فقط لاحظ الطريقة):
    أنت تختلف مع عبد الرحمن، فلماذا تناقشه إذا كنت بالأساس تختلف معه؟ هل لأنك تريد أن تصل أنت و هو للصواب؟ إن كان جوابك نعم أفلا ترى أنك تناقض نفسك لأنك بالأساس تختلف معه؟
    طبعاً السؤال لا معنى له أكيد. لكن لاحظ كيف أن أجزائه غير مترابطة و جزئية منه تناقض جزئية رغم أنه يبدو أنها تقوم عليها.

    3#
    – إذا أمرك الله مباشرة بقتل نفسك بقول “اقتل نفسك”، هل ستنصاع للأمر فوراً أم ستعرضه على العقل والمنطق، فيـُـقال: “لا يأمر الله بقتل النفس”. إذ توجد آية يقول تعالى فيها مادحاً الذين يسارعون في الطاعة رغم صعوبة ما يؤمرون به: (ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليل منهم ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيراً لهم وأشد تثبيتا) [النساء 66]

    لا اعرف ماذا تريد أن تصل إليه من هذا السؤال. و الجواب عليه سيكون من باب الفلسفة التي لا طائل منها.
    و لكن سأوضح أمراً قبل الجواب (لاحظ أنك تتبع نفس الطريقة في السؤال و التي لا يمكن أن يكون لها جواب إلا بعد أن نجزأ السؤال لأنه جزئيات مختلفة لا ترتبط معاً، أنما أنت تربطها و تجعلها ناتجة عن بعضها)
    عندما يقول الله تعالى (ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليل منهم) يتضح لنا أن الذين سيقتلون أنفسهم قليل، و هم الذين يمتدحهم الله عندما ينفذون أوامر الله، لكن ألا ترى معي أن الله يشبه لنا و يصف لنا مقدار امتثالهم لأوامر الله بهذا التشبيه. بمعنى أن الله لم يأمرهم بقتل أنفسهم و لكنه لو فعل لفعلوا. (لاحظ أنه يوجد تشابه بين تفسيرك للآية و التفسير المستخدم في شرح أبيات البوصيري الذي أرسلته لي).
    و إذا أمرني الله بقتل نفسي (فرضاً) و لنفرض أن الامر جائني يقيناً من الله فسأفعل حتماً و من منا لا يفعل. لماذا لم أعرض الأمر على العقل؟ لأن العقل خلقه الله و لهذا العقل حدود لا يتعداها، و مهما كان العقل واعياً و منطقياً في تفكيره فلن يصل لمستوى الحكم على أوامر الله لأنه مخلوق، و له حدود لا يستطيع تعديها و أمور لم و لن يقدر على فهمها.
    أما إن جائني شخص ما مهما كان علمه، و قال لي إن تفسير النص الفلاني أو الحكم في سؤالك هذا أن تقتل نفسك (مثلاً) فهنا الأمر لا بد و أن يعرض على العقل و لا بد أن يناقش. و لن نخوض في الجواب أكثر لأنه أمر افتراضي.
    لاحظ كيف أن سؤالك يتكون من جزأيتين الجواب على الأولى يلغي الجزئية الثانية و يجعلها بلا معنى.

    4#
    سؤالك عن الإجماع و عن سد الذرائع.
    فلست أعلم عن تفاصيلها الكثير و سأقرأ و أسأل عنها أهل الاختصاص و قبل ذلك لا أستطيع أن أناقش فيها.

    5#
    – بعض القضايا المجمع عليها قد لا توافق العقل، كقتل المرتد ، وإباحة الزواج من ثانية، وقطع يد السارق، ورجم الزاني المحصن، وجلد الزاني الأعزب، ووجوب الحجاب للمرأة! .. فهل يحل للمسلم التردد فيها إذا لم توافق عقله حتى بعدما يستفسر من العلماء عن صحتها؟

    لاحظ كيف تستعمل نفس الأسلوب في الأسئلة.
    من قال لك أن الزواج من ثانية لا يوافق العقل مثلاً؟ يعني الأمر أكبر و أوسع من أن تحصره في كلمة. له تفاصيل و حيثيات كثيرة.
    و كما أن الخلاف و مسألة ألا توافق عقلي أو عقل غيري ليست في المسائل التي فيها نص قرآني صريح أو حكم واضح. لا تزج بالعقل في كل مكان حتى تنفي دوره!.
    لاحظ كيف جمعت في سؤال أموراً فيها نص صريح و أخرى ليس فيها خلاف و خرجت بنتيجة بناء على واحدة من الجزئيات، و لكن الأمر ليس كذلك عندما نناقش كل جزئية على حدة.

    6#
    – أنت تصلي وتصوم، فلماذا قبلت فهم العلماء لكيفية الصلاة والصيام، ولم تقبل فهمهم في قضايا أخرى (المجمع عليها خاصة ً)

    أنا لم أقبل فهم العلماء في الصلاة و الصوم، لأنها قضايا لا دور للفهم فيها، ففيها نصوص واضحة و آيات و أحاديث تشرحها (بالعموم)، فالعلماء لم يشرحوها من فهمهم إنما من الأدلة الموجودة و الواضحة. فكيف تربط هذه بالقضايا الأخرى؟

    فما حدث برأيي أنك تفسر الأمور كما تفهمها أنت و من ثم تبني استنتاجات بناء على ذلك الفهم و تسال اسئلة من وجهة نظر أجوبتك عليها.
    هذا رأيي الشخصي، لك أن ترد و لك ألا ترد. لكن إن أحببت الرد فأرجو أن تبحث هذه الجزئيات واحدة واحدة، بمعنى أن تنظر في سؤالك الأول و ترى رأيي فيه و تعلق عليه برأيك، و لا تنتقل للثاني حتى أرد عليك و نتفق على أمر ما. حتى لا تطول التعليقات و حتى يكون الأمر مجزءاً و محدداً.

    و عندما اقترحت عليك أن لا تنصص و تنقل الكلام و ترد عليه إنما كان لتجنب مثل هذه الخلافات التي لا تمت للموضوع بصلة وثيقة. بمعنى لو كنت أنت و عبد الرحمن تتناقشان وجهاً لوجه لكان أفضل في مثل أسئلتك هذه لأنك في بعضها تفترض الجواب بنفسك أو تضع له حدوداً لن يخرج عنها و تكمل أسئلتك بناء على ذلك. فكون النقاش يدور بشكل تعليقات فهذا يسبب تشتت الأفكار و تباعدها أحياناً. و إن كانت هذه الطريقة تعطيك الوقت لتجميع أفكارك و لكن في مثل هذه الأسئلة تصبح مشتتة للفكرة أكثر من كونها جامعة لها.
    لذلك إذا أحببت أن تناقشني فأرجو منك أن تكتب ردك كاملاً عندك، ثم تقمسه لأفكار و لنفرض أنها عشرة أفكار مثلاً، في تعليقك لا تضع أكثر من فكرة واحدة حتى يكون النقاش بناءً و نبتعد عن الطول و تشتيت الأفكار.

    و سؤالي لك ما علاقة كل هذه الاسئلة بالموضوع. صحيح أنها تمت له بصلة عامة و ليست خاصة، و لكن لست أرى أنها تخدم فكرة الموضوع الأساسية. فأنا أستطيع أن أذكر لك الف حالة مما ذكرت تمت للموضوع بصلة عامة و لكنها لا تحسم الأمر فيه بل تزيد الخلاف أكثر، لذلك كان ما قلته لك بأن تركز على الفكرة و ليس على ما ينتج عنها. فإن اتفقنا على الفكرة اتفقنا على ألف فكرة توازيها و تنتج عنها. و أما أن تقول أنه إذا نتج عن الفكرة خطأ ما فهذا يعني أن الفكرة خاطئة فهذا فيه قول، لسنا بصدده الآن. ما يهم الآن فكرة الموضوع الأساسية.
    أذكرك إذا أحببت الرد فحبة حبة وفكرة فكرة في كل مرة 🙂 و لا تنتقل للفكرة التالية حتى ننتهي من الأولى.
    حتى نحصر الأفكار و نعصرها عصراً علنا نخرج بعصير ذو نكهة جديدة.

    و لك مني أجمل تحية و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.

  19. السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
    لسبب ما لم يظهر تعليقي الموجه للأخ هادي في نهاية المدونة، و هنا أشير له بأنه يحمل الرقم 19 حسب الترقيم الظاهر لدي.
    تحية لكل قراء مدونة عبد الرحمن.

  20. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
    الحمد لله وبعد
    الأخ شادي
    أعرف –بارك الله فيك- أن shadi تُلفظ “شادي”، ولكنني رأيت أن وضع اسمك كما هو من دون تعريب أوضح للقارئ الجديد الذي يقع نظره على التدوينه فيعرف أن النقاش موجه لك خصيصاً وليس لشخص آخر قد يدخل باسم “شادي”، ولكن بما أنك تفضل ذلك ، فلا بأس أخي -شادي- ، فسأكتب مشاركاتي لك منذ الآن فصاعداً بقول “إلى شادي” . وذلك أن المصلحة المتحققة لإرضاء أخي المسلم أولى من المفسدة الظنية بأن لا يُعرف الشخص الذي أكتب الرد إليه بالتحديد 🙂

    أحيي بدوري رغبتك في المناقشة والتحاور، قال تعالى (وتواصوا بالحق). وإني كذلك أسر بحسن أخلاقكم في النقاش والتركيز على الحوار بأسلوب أخوي، بارك الله فيكم وجعلنا وإياكم ممن يفقهون في الدين ويعلمون التأويل.
    اسمح لي أن أضع مشاركة ليست بالقصيرة، وذلك لتوضيح بعض النقاط الهامة، وفي المشاركة التالية لي، سأبدأ إن شاء الله كما اقترحتَ أن أجعل النقاش يدور حول فكرة واحدة فلا ننتقل إلى التي بعدها حتى ننتهي منها، ولكن الذي حملني على أن أضع هذه الأسئلة كلها سوية، هو تلخيص حوار مطول سُئلت فيه هذه الأسئلة ولم يُجب عنها، فأحببت التذكير بها مجتمعةً.

    وأسأل سؤالاً شبيهاً بسؤالك:
    إذا صدر من عالمين حكمين متضادين (يجوز و لا يجوز) في عين المسألة وفي الزمان والمكان والحال ذاته، هل يمكن أن يكون كلاهما محقاً أو أحدهما محق أكثر من الآخر، ولكن لا أحد مخطئ؟

    والآن سأبدأ بوضع تعليقي بعد كل فقرة مرقمة من قبَلك:

    #1
    أوافقك الرأي تماماً.

    #2
    سأضع رأيي وقل لي إذا كنت توافقني فيه:
    اختلاف الصحابة (أو أي اختلاف بين عالمين) نوعين:
    إما اختلاف تنوع أو اختلاف تضاد، أما التننوع فيجوز الأخذ بأي الأقوال مثل: “صيغ الأذان والتشهد وأدعية الاستفتاح ونحو ذلك ، فمثل هذه المسائل لا ينبغي أن تكون سببًا للنزاع والفرقة والمنابذة ، لأن السنة قد جاءت بها جميعًا ، فلا تثريب على المسلم فيما لو أخذ بأي صفة وردت .” [فقه الاختلاف وأثره في القضاء على الإرهاب]
    وأما اختلاف التضاد فلا يمكن أن يكون الحق في كلاهما مثل (سنية أو بدعية صلاة الضحى) وهو كذلك نوعان:
    1- نوع يكون في مسألةٍ يعذر كل واحد منهم الآخر فيها، إذ لا أحد من هؤلاء المخالفين يجزم بصحة ما عنده. ولكن مع التيقن أن الحق لا يكون مع كليهما:
    “سُئل الإمام مالك رحمه الله هل الحق واحد؟ فقال “سبحان الله قولان ضدان جميعا يكونان حقا؟ ما الحق إلا واحد”
    2- خلاف لا يعذر فيه أحدهم الآخر ، لأنه يجزم بصحة ما يقول. مثاله: (أن عبد الله بن الزبير قام فقال إن ناسا ، أعمى الله قلوبهم ، كما أعمى أبصارهم ، يفتون بالمتعة . يعرض برجل . فناداه فقال : إنك لجلف جاف . فلعمري ! لقد كانت المتعة تفعل على عهد إمام المتقين ( يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم ) فقال له ابن الزبير : فجرب بنفسك . فوالله ! لئن فعلتها لأرجمنك بأحجارك .
    صحيح مسلم 1406). وهذا الرجل الآخر هو ابن عباس رضي الله عنه.

    ولذلك فإن الفكرة التي تقول (كل الحارات في الاتجاه الصحيح) فهي تنطبق على اختلاف التنوع أو الفتاوى الاجتهادية المتقاربة والغير متضادة (متضادة بأن يقول أحدهم يجوز وآخر يقول لا يجوز) وفي الأمور التي ليس فيها نص صريح أو إجماع وصادرة عن أناس مؤهلين للاجتهاد وليس أي طالب علم.
    هل توافقني في كل أو بعض ما ذكرتُ ؟

    ولقد نصح كثيرون بقراءة كتاب “رفع الملام عن الأئمة الأعلام” لشيخ الإسلام، وأنه كتاب مفيد في هذا الباب، فلعلنا نقرأه وإياكم بإذن الله.
    وقد أجبت -مشكوراً- بقولك “في القضايا التي فيها حكم صريح لا اختلاف فيها قولاً واحداً.”
    هل حد الردة فيها حكم صريح، وإذا قلت “نعم” فإن هناك من يقول أن فيها خلاف لوجود قول الشيخ المخالف. فأيكما مصيب؟ ولا تقل لي “كلانا” إذ أن هذين قولين ضدين جميعا.

    وبالنسبة لطلبك لي بالتمعن في الأسئلة:
    إذا لم يُعرف القصد من “اختلاف التنوع” فلا يضير أن يسألني الآخر عن مقصدي.
    وإذا كان الجواب يخرج عن إطار رسمته أنا ، فلا بأس ، يمكن للآخر أن يجيب به ولكن بالدليل.
    وضربت لي مثلاً عن الطريقة التي أسأل بها -ولا أظن أني أسأل أسئلة لا معنى لها- وأطلب منك أن تأذن لي باستعارة أسلوبك هنا للتشبيه بالطريقة اللازمة حينها للجواب على هكذا سؤال –إن وجد بين أسئلتي- :

    أشبّه الطريقة المناسبة للجواب على سؤالك، بهذا الجواب (لا تعر أي اهتمام للجواب. فقط لاحظ الطريقة):
    ” نعم، أنا أختلف مع عبد الرحمن، ونعم أرى أني على صواب وأريد أن أصل معه إليه.
    لا، لا أرى أن أني أناقض نفسي لمجرد أني أختلف معه أساساً، فمحاولة المختلفين للتوصل إلى اتفاق في شيء هم مختلفين فيه أساساً لا يُعدُّ تناقضاً مع النفس، بل إن داوود وسليمان عليهما السلام اختلفا في حكم مسألة ما، وقد تناقشا لمعرفة أيهما مصيب. قال تعالى (وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين * ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما). ومما جاء في تفسير الطبري:
    “أن رجلين دخلا على داود، أحدهما صاحب حرث والآخر صاحب غنم، فقال صاحب الحرث: إن هذا أرسل غنمه في حرثي، فلم يُبق من حرثي شيئا، فقال له داود: اذهب فإن الغنم كلها لك، فقضى بذلك داود، ومرّ صاحب الغنم بسليمان، فأخبره بالذي قضى به داود، فدخل سليمان على داود [فقال] يا نبيّ الله إن القضاء سوى الذي قضيت، فقال: كيف؟ قال سليمان: إن الحرث لا يخفى على صاحبه ما يخرج منه في كل عام، فله من صاحب الغنم أن يبيع من أولادها وأصوافها وأشعارها حتى يستوفي ثمن الحرث، فإن الغنم لها نسل في كلّ عام، فقال داود: قد أصبت، القضاء كما قضيت، ففهَّمها الله سليمان.” ا.هـ
    فلا يمكن أن يقال أنهما متناقضان مع نفسهما، فهذا محال على الأنبياء.”

    لاحظ كيف كان الجواب واضحاً دون تحليل أجزاء السؤال وخصائصه.

    #3
    الذي أريد أن أصل إليه بهذا السؤال أنه لا يمكن استخدام العقل لنقد أحكام الله ورسوله، فإذا أمرنا بأمر فإننا ننصاع مباشرة دون تردد، وبهذا لا يمكن إلغاء حد الردة بالعقل أو عدم الأخذ بالإجماع القائل (يجب قتل ساب النبي) فالإجماع هو كحكم الله ورسوله في مسألة ما وردّه كرد كقول الله ورسوله، قال تعالى (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى)، وقال صلى الله عليه وسلم (إن أمتي لن تجتمع على ضلالة)، وغيرها من أدلة حجية الإجماع.
    وإذا أجمع العلماء على قول ما فهو قول الله في هذه المسألة.
    عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة ). ففما ورد عن الإمام البخاري وغيره أنهم أهل العلم والفقه وأهل الحديث.
    فلا أظن أن السؤال فلسفي لا طائل منه. وما هي الجزئيات المختلفة التي لا ترتبط في سؤالي والتي ربطتـُها بشكل خاطئ؟
    أعلمُ أن الله لم يأمرهم بقتل أنفسهم وأنه لو فعل سبحانه لانصاع قليل منهم، وأريد أن أعرف من الطرف الآخر ماهي الحالات التي ننصاع فيها مباشرة وما هي الحالات التي نعرضها على العقل فإذا وافقته أخذنا بها؟. هذا المراد من السؤال، أما أن جزئية من السؤال تلغي الأخرى وتجعلها بلا معنى، فحبذا لو تبينها لي.

    #4
    أحسنت، زادك الله علماً وفقهاً.

    #5
    أخي الكريم، من قال أني عندما قلت “بعض القضايا المجمع عليها قد لا توافق العقل” ، بأني قصدت عقول كل الناس؟ هلا سألتني عن مقصودي قبل أن تقول “من قال لك هذا” ؟
    إني قصدت أن بعضها قد لا يوافق عقل أحدهم، ويدل على هذا قولي “إذا لم توافق عقله”، فأنا ذكرت “عقله هو” ولم أذكر “كل العقول”.
    فها أنت –أخي- تفعل ما تنهاني عنه، فتفترض مسبقاً أني عندما أقول “العقل” فأقصد به كل العقول، وليس عقل أحد الناس أو أحد المسلمين.
    ولم أزج العقل حتى أنفي دوره، بل للعقل دور كبير في الاجتهاد ولكن المشكلة هي جعلُ أحدِهم بعضَ المسائل المتفق عليها والثابتة تدخل تحت المسائل الاجتهادية ، بحيث يقول فيها الشخص ما شاء مخالفاً الحكم الثابت القطعي، فإذا أنكر عليه أحد ما صنيعه، يجيبه قائلاً “هذه مسألة اجتهادية فلا تلزمني بمذهبك”! . كإلغاء الحكم الثابت لحد الردة أو إضافة شرط “خيانة الوطن”، أو عدم تحذير المسلمين من محبة النصارى وموالتهم وهو حكم ثابت، فيقول هو: هذه مسألة اجتهادية .
    إن استخدام العقل في القضايا الاجتهادية مطلوب لمعرفة الحكم إذ لا نص صريح فيها، وأحد أمثلتها قوله تعالى (ياأيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم) [المائدة 95]،
    فجعل الله تعالى هذين الرجلين حكمين على الذي اصطاد وهو محرِم، فيستخدمان فطنتهما وتحكيمهما العقلي لينظرا في الحكم المناسب حسب حالة الرجل الصائد كنوع ما اصطاده أو كميته أو ماشابه فيصدرا العقوبة الموافقة والعادلة.
    وكذلك قولك بأني جمعت في سؤالي هذا أموراً فيها نص صريح وأخرى ليس فيها خلاف، فأقول بل هي كلها فيها نص صريح وكلها ليس فيها خلاف. فحبذا لو تبين لي مقصودك من هذا الكلام، بارك الله فيك.

    #6
    سؤالك لي عن السبب الذي ربطت فيه الصلاة والصوم ببقية الأحكام:
    نفرض أن زيداً من المسلمين قبِل قول العلماء بشرح آية (كتب عليكم الصيام) بأنها تدل على وجوب صيام رمضان، فإذا قال زيد : “إني أرى –مستخدماً عقلي الذي وهبني الله إياه- أن العمال في البلاد الحارة يمكن أن يفطروا في رمضان لأنهم لن يحتملوا الحرّ”، فقد يقول لي المخالف: ولكن كلام زيد مرفوض. فالسؤال حينها: لماذا رفضت كلام زيد وقبلت كلام عمرو عن ضرورة تعطيل الحدود بين مسلمي الغرب؟. أما إذا قال: كلام زيد مقبول ، فأين الدليل ؟
    هذا هو الربط بين الصلاة والصيام وحكم الردة، وقبول قول العلماء بأن العمل ليس عذرا للإفطار، وعدم قبول إجماعهم على حكم ساب النبي مثلاً. فسألتُ : “لماذا قبلت هنا ولم تقبل هناك”؟
    نعم قد أفترض في سؤالي شيئاً عن المخالف، وهو حسن الظن به، فأنا افترضت أنه قبِل إجماع العلماء على وجوب الصيام وعدم إباحة الإفطار في رمضان إلا بعذر شرعي، ومشقة العمل ليست عذراً. وعلى فرض كان هذا الافتراض خاطئاً، يمكنه ببساطة أن يقول: أنا أعتقد كذا وكذا وليس كما تقول، وبالتالي الجواب على سؤالك هو كذا وكذا.
    وقولك “و أما أن تقول أنه إذا نتج عن الفكرة خطأ ما فهذا يعني أن الفكرة خاطئة فهذا فيه قول”
    فأقول: إذا كان لازم القول باطلاً ، بطلَ هذا القولُ. ومثال ذلك قول بعض الضالين أن الله قد يظهر له أن الصواب هو على خلاف ما أراد سابقا ً ، فيأمر أمراً جديداً يخالف الأول ، فلازم هذا القول أن الله سبحانه قد أخطأ بادئ الأمر –تعالى الله عن ذلك-، وبما أن هذا اللازم باطل لأنه ينسب الخطأ لله تعالى، فبطل الملزوم.

    بارك الله في الجميع والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    روابط يــُنصح بزيارتها:
    http://islam-qa.com/ar/ref/112787 اختلاف العلماء في التفسير
    http://islam-qa.com/ar/ref/22652 موقفنا من اختلاف العلماء

  21. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
    أسأل الله أن يهدينا إلى الحق وإلى سواء السبيل

    سأبدأ بوضع الفكرة الأولى للنقاش، فإذا ما اتفقنا انتقلنا إلى التي بعدها وهكذا:

    إذا أجمع علماء المسلمين على حكم ما، فلا مجال لعقل أحد الباحثين أن يرفض هذا الحكم لأنه خالف عقله (أي الباحث).

    هذه هي الفكرة الأولى، أتمنى سماع موافقتكم أو رفضكم أو تعقيبكم.

    والله الموفق.

    1. و عليكم السلام و رحمة الله و الإكرام

      و أعتذر عن الرد المتأخر. و قبل أن نخوض في الأمر أقترح عليك اقتراحاً، و هو أن ننقل هذه النقاشات إلى مدونتك حتى لا نثقل على مدونة الأخ عبد الرحمن كوننا نبتعد فيها قليلاً عن فكرة التدوينة و إن كان ابتعادنا عنها قربا في الوقت نفسه. فأقترح عليك مثلاً قبل أن نتناقش في الإجماع أن تفرد له تدوينة تتحدث بها عنه و أنت من أهل الاختصاص، و من ثم نتناقش فيه و هكذا بالنسبة لبقة الأفكار. فإن خرجنا براي جئنا به إلى هنا جاهزاً.

      و رأيي هنا، أنه عندما يجمع علماء المسلمين على حكم ما. فلا بد لنا من أن نتساءل قبل أن نحكم على هذا الحكم:
      * ما هي طبيعة هذا المجلس الذي سيحكم و يجمع علماؤه على الحكم. و كيف يتم اختيار العلماء.
      * ما هي طبيعة الدولة التي يمكن فيها أن تطبق الأحكام التي يجمع عليها العلماء. بمعنى لو أن مجموعة من العلماء في السعودية مثلاً أجمعوا على حكم فهل هو ملزم لي أم أني يجب أن أعرف حكم علماء الشام.
      * كيف نعرف أن حكماً ما قد تم الإجماع عليه؟ أي كيف يتم القول بأن هذه الفتوى أُجمع عليها؟ هل هناك اجتماع للعلماء المسلمين يقررون فيه مثل هذه الأمور؟
      * و بفرض أن مجمعاً من العلماء المسلمين أجمع على حكم ما. ثما جاء شخص لم يقتنع بالحكم، و ليس لم يوافق هواه، هل يوجد من طريقة لإيصال وجها نظره للعلماء أو أحد ما ينوب عنهم لمناقشة الحكم. فالأمور تتغير على مر الزمان و قد يستجد شيء ما يغير من علة الحكم.
      و هذا السؤال ليس للتشكيك بمصداقة العلماء و لكن للتساؤل عن كيفية الرد على من له رأي مخالف في الموضوع.
      * كيف يعرض العلماء الأدلة التي استندوا إليها في حكمهم، و عندما يريدون الحكم على قضية معين هل يجتمعون و يتناقشون أم يحكم كل من مكانه؟

      و شكراُ لسعة صدرك و سعة صدر الاخ عبد الرحمن 🙂

      1. الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.

        بارك الله فيك أخي شادي، واقتراح موفـّـق إن شاء الله.

        أما سؤالي عن الإجماع فكان لتوضيح أن العقل والمنطق (لأحد الباحثين) لا يمكنهما رفض العمل بالحكم المجمع عليه -واللذين تطرق لذكرهما صاحب المدونة المكرّم، ومن حيث أنه يجب استخدامهما لنقد الأحكام قبل قبولها أو رفضها-. وذلك لأن اتفاق العلماء ملزم للمسلمين.

        سأعمل -إن شاء الله- بما نصحتني به من إفراد تدوينة عن الإجماع ومناقشة التساؤلات المطروحة في مشاركتك.

        عفا الله عنك أخي، فإني لستُ من أهل الاختصاص أبدا، ما أنا إلا طالب علم أشارك أخوتي بما علـِـمته -بفضل الله- وأتعلم منهم ما أجهله. أما أهل الفقه والحديث، فأستأنس بأقوالهم وأستفيد من علمهم فهم ورثة الأنبياء وحملة شعلة النور إلى الناس.

        لن تكون التدوينة إلا جمعاً مرتـّبا لأقوال أهل الاختصاص ، وتعقيباً أو شرحاً متواضعاً من قــِبلي لما فهمته منهم. بالإضافة إلى سوق أدلتهم وبراهينهم.

        ويجدر التنبيه إلى أنها لن تكون نهائية أو غير قابلة للتعديل ، بل نحتاج مساعدة الأخوة في تنقيحها أو تصحيحها في حال وجود أخطاء، أو توضيح بعض أفكارها إن كانت غامضة أو مبهمة. وهكذا حتى نتفق عليها في الباب الذي تتحدث عنه لنستطيع أن نكمل النقاش في الأفكار الأخرى.

        جزا الله عنا الأخ شادي خيراً على هذا الاقتراح ، وأشكر صاحب المدونة المكرّم ،عبد الرحمن، على صبره معنا.

        قد تحتاج التدوينة إلى وقت ليس بقصير لإنهائها، وذلك حتى تكون شاملة لكل الاستفسارت -بإذن الله-، بالإضافة لوجود بعض الأشغال التي قد تؤخرنا عن القيام بهذا العمل المبارك -إن شاء الله-.

        والله أعلم.

        أطلب الإذن من صاحب المدونة أن أضع رابطها في المشاركة القادمة هنا ، وذلك عند الانتهاء منها.

        أسأل الله أن يكون التباحث هذا في سبيله، وأن يكون عملنا خالصا لوجهه، وأن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه ، ويرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنباه.

  22. قال عبد الله ابن المبارك رحمه الله: “إن هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم”
    فمن أخذ دينه من مجاهيل، فلا يلومن إلا نفسه!!

  23. السلام عليكم شادي

    مرت سنتان على نقاشنا ، ومازال النقاش من وقتها يطرق بالي من وقت لآخر …

    امتنعتُ عن المتابعة وقتها ، للاستفسار والبحث ، وسألت بعض أهل العلم …

    مازال الموضوع بحاجة للبحث والسؤال ، وقراءة كتب الأصول والمتعلقة ببحثنا ، ولا أرقى لدرجة كتابة مقال عن هذا الموضوع ..

    ولكن الذي عندي لأقوله ، ليس لمجرد المراء ، ولكن أظنه مفيد في هذا المقام :

    – بالنسبة لاختيار العلماء ، فهو أمر غير رسمي ، بمعنى أنه من ظهرت لديه أمارات العالِمية وشهد له أقرانه بذلك فهو كذلك ويُعرف هذا من كلامه ومن كتبه واجتهاداته ، ولا يُشترط اجتماعهم في مجلس …

    – بالنسبة لإجماع علماء بلد ما على أمر خاص يخص البلد ، فإجماعهم هذا يلزم أهل هذا البلد ولا يلزم غيرهم لأنهم أعلم بواقعهم في هذه القضية ممن هم أبعد ، أما في الأمور العامة التي لا تخص بلداً دون بلد فلا يُعد اتفاق علماء بلد على حكمٍ ما إجماعاً (وإن كنت أظنه غير ممكن الحدوث)..

    وليُعلم أنه لا يُشترط في الفتوى أن تكون إجماعاً حتى تكون حقاً .

    – بالنسبة لإجماعات الصحابة ، تُعلم بتتبع أقوالهم وعدم وجود المخالف ، وهي حجة لمن بعدهم ، أما الإجماعات المحكية ، كقول أحد العلماء السابقين (وأجمعوا على كذا) فإن لم يُعلم قول عالم مخالف مع دليله ، أو لم يُعلم دليل صريح في القرآن و السنة أو قول صحابي يخالف هذا الإجماع المحكي ، وكان دليل هذا الإجماع المحكي حاضراً وقوياً ، فيصير ملزماً ، والله أعلم ..

    – ليس الاجتماع شرطاً للإجماع …

    أحد الأخوة أرسل لي رداً مفيداً على مسألتي (اختيار العلماء) ، (تغير الفتوى بتغير الزمان) ، اللتان يوردهما من يريد التشكيك بحجية الإجماع :

    “(كيف يتم اختيار العلماء) نقول: ومن الذي يختار العلماء أصلا، وهؤلاء الذين يختارونهم هل هم علماء؟ وإذا كانوا علماء فكيف صاروا علماء ومن الذي اختارهم؟
    وكيف عرفنا أنه لا يوجد علماء آخرون غيرهم؟ وماذا نفعل لو اختلف العلماء في تحديد العالم الصالح للاجتهاد والنظر .. إلخ إلخ.
    فالخلاصة أنك إما أن تترك الشبهة أو تلتزم إبطال كلام العلماء.

    قوله (فالأمور تتغير على مر الزمان و قد يستجد شيء ما يغير من علة الحكم) نقول: هل صارت الأمور تتغير على مر الزمان في عصرنا هذا فقط، أو هي تتغير على مر الزمان من قديم الأزل؟ وهل العلماء المجتهدون يجهلون أن الأمور تتغير على مر الزمان [وعرفنا نحن وحدنا ] ذلك؟ وهل يعقل أن يكون هناك عالم مجتهد يجهل هذا؟ إذا كان يجهل مثل هذا الأمر الواضح فلا يمكن أن يكون عاقلا فضلا عن أن يكون مجتهدا”

    فكأنه يقول : أن المجتهد عندما يذكر حكماً فهو لم يغب عن ذهنه أن الأمور تتغير بتغير الزمن ، وبما أنه لم يضع شرط تغير الزمن لفتواه (كقول أحدهم مثلاً معقباً على فتواه : “هذا في زمن تؤمن فيه الفتنة” ) فإن هذه الفتوى هي قوله في المسألة رغم معرفته أن الأمور تتغير مع الزمن.

    والله أعلم

أضف تعليق

الأكثر رواجًا